رجال يرون زوجة الخمسين "مرفوعة من الخدمة" ويصفونها بـ"الصحراء".
إحداهن تشتكي إهمال زوجها وأخرى تتحسر على ربيع العمر






سبق– جدة:

تعيش المرأة طول عمرها وهي خائفة من الوصول لخريف العمر أو ما يطلق عليه "سن اليأس"، وكأنه نهاية لحياتها التي أكملت فيها معظم مسؤوليتها، ويبقى القلق يسيطر عليها من ردود فعل أقرب الناس إلى قلبها، والذي تتمنى منه في هذا الوقت الدعم النفسي والتأكيد على أنهما سيبدآن سوياً مرحلة جديدة من الحب والمودة، بيد أنها تفاجأ بحالة من الإهمال وكأنها أصبحت صحراء فقدت سحرها وجاذبيتها، وبالتالي فقدت حب من حولها.

"سبق" تتعرف على آراء النساء في سن الخمسين، وطبيعة العلاقات التي تربط بين الزوجين في هذه المرحلة.

فقدت معنى الحياة

في البداية اشتكت لـ"سبق" إحدى الزوجات قائلة: بعد بلوغي الخمسين تجاهلني زوجي، وأهمل دوري في حياتي الزوجية، ففقدت معنى الحياة، مبدية أسفها للومه المستمر لها، ومقارنتها بالفتيات الصغيرات في جمالهن ورشاقتهن، وقالت: حاولت التغيير من مظهري حتى أسترد إعجابه مرة ثانية، فذهبت إلى الكوافيرة، وغيرت في تسريحة شعري وماكياجي، بيد أني فوجئت برد فعله البارد عندما شاهدني.

وتابعت حديثها بكل أسى: سخر مني زوجي، وقال لي ضاحكاً: أتريدين أن تعاندي الزمن؟ أنت في نهايات عمرك، ولن يجدي معك شيء، مبدية مخاوفها من مستقبلها معه، وقالت: أشعر بقلق من حياتي معه، وأظل حبيسة غرفتي، ودموعي رفيقتي، وتساءلت في تعجب: هل انتهى دوري في الحياة؟ وهل المطلوب مني حساب الدقائق والثواني المتبقية في عمري؟


مرارة أيامي

وسردت لـ"سبق" إحدى الزوجات مأساتها مع زوجها قائلة: أنا زوجة في الخامسة والخمسين، لاحظت أن زوجي يبالغ في الاهتمام بمظهره رغم تعديه الستين، مضيفة أنه يقضي فترات طويلة أمام برامج الشات عبر النت، وأيضاً يتحدث فترة طويلة في الجوال، مبدية أسفها لما أخبرها به زوجها، فقالت: أخبرني زوجي أنه سيتزوج من فتاة صغيرة، لأنني على حد قوله: أصبحت مثل النهر الذي جف ماؤه ففقد أهميته.

وبصوت ممزوج بالبكاء تابعت حديثها: كانت ليلة زفافه عصيبة، وتذكرت أيام شبابي معه، وتعاوني معه في نفقات البيت، وعدم تكليفه فوق طاقته، وتساءلت: هل ذنبي أنني وصلت لخريف العمر؟ ما الذي اقترفتاه لأتجرع مرارة أيامي، ما تبقى من عمري؟

حماتي ثائرة

إحدى الزوجات الشابات قالت لـ"سبق": أم زوجي منذ بلوغها الخمسين ازدادت عصبية، وأصبحت تثور لأتفه الأسباب، بل أصبحت تسيطر على زمام حياتنا وكأنها ملكة البيت، مرجعة ذلك لصدمتها بعد زواج زوجها، وقالت: تزوج والد زوجي من خادمته، ومنذ ذلك الوقت وهي ثائرة دائماً، وترفض أي مناقشة معها، ونحن نحاول إرضاءها بشتى الطرق، بيد أنها لا تستجيب لنا.

أشواق "30" عاماً

بيد أن إحدى الزوجات رفضت ذلك تماماً، وقالت: الحمد لله زوجي لم تتغير معاملته لي رغم بلوغي الخمسين، بل ازداد حناناً وتشجيعاً لي على الاهتمام بجمالي وصحتي، مبدية إعجابها بتعامله معها، وقالت: أكثر من مرة يفاجئني بـ"عزيمة عشاء" أو السفر خارج البلاد ليومين أو أكثر، وتمنت له خالص الصحة والسعادة، وقالت: أتمنى لحبيبي وزوجي كل صحة وسعادة، فهو دائماً يسعدني، ويشتاق إليَّ، وأشعر بتجديد الحب بيننا، وكأن مشاعرنا لم تتبدل منذ زواجنا منذ ثلاثين عاماً.

زوجتي حبيبتي

واستنكر أحد الأزواج تصرفات بعض الرجال قائلاً: زوجتي حبيبتي، ساندتني في بداية حياتنا الزوجية، وسهرت بجانبي عند مرضي، وكانت تحتويني عندما أبث إليها شكواي، فتخفف عني ضغوط الحياة، متسائلاً في دهشة: كيف يتخلى بعض الرجال عن زوجاتهم وهن في لحظة ضعفهن، وبعد أن أمضين سنوات جميلة من عمرهم سويا؟ وعبر عن مشاعره الجميلة لزوجته، وقال: أتذكر دائماً مناسبتها السعيدة وأقدم لها الهدايا، ودائماً أدعو الله أن يديم عليها الصحة والعطاء، لتظل دائما شجرة وارفة نستظل بها من عناء حياتنا.

الحرمان العاطفي

من جهته رأى استشاري علم النفس الدكتور حاتم الغامدي أن المرأة بعد الخمسين تحتاج إلى الطمأنة النفسية من خلال شريك حياتها، وعادة ما تخاف من المستقبل، مشيراً إلى أن المرأة تصل لسن الشيخوخة قبل الرجل، حيث يسبب انقطاع الدورة الشهرية اضطرابات هرمونية ويغيِّر مزاجها وتركيبتها النفسية.

وأضاف أن هناك بعض الأزواج لا يقدرون شريكة الحياة في جميع مراحل حياتها، في صحتها ومرضها شبابها وشيخوختها، وقال: تصاب المرأة بنكسة نفسية إذا تخلى عنها زوجها في هذه السن، وتنسى أي ذكرى جميلة وتصاب بحالة من الحرمان العاطفي.

ونصح الزوج أن يطمئن الزوجة في هذه المرحلة بالكلام والسلوك، ويشعرها بأنها شخص مرغوب فيه، ولها مكانتها في قلبه وفي حياتهما الأسرية وقراراتها صائبة.

أم الأولاد

وأضاف أن هناك كثيراً من الأزواج الذين يعيشون حياة زوجية متزنة منذ بداية الزواج، يشعرون بالتجديد العاطفي بعد سن الخمسين، حيث تمر هذه المرحلة بسلام، إلا أنه غالباً ما يتزوج الرجل في هذه المرحلة وينسى أنه كبر في السن هو أيضاً، ويظل لـ"أم الأولاد" مكانتها واحترامها.

ورأى أنه ينبغي على المرأة في هذه السن أن تحافظ على صحتها وجمالها، وأن تسعى للتجديد الدائم لزوجها وتهتم بممارسة الرياضة حتى تشعر بالتوافق النفسي، موضحاً أن تقبل المرأة لمرحلة خريف العمر يتوقف على نوع شخصيتها، حيث تزيد الانفعالات عند المرأة العصبية، في حين تصاب المرأة الحساسة بحالة من الاكتئاب وتصاب بحالة من الجوع العاطفي.

وعن الشخصية العدوانية قال الغامدي: عادة ما تظهر تلك المرأة انفعالاتها وتصبح شخصية متسلطة على زوجها وأبنائها، حيث تعوض حرمانها العاطفي من الزوج، بخلاف الشخصية المطمئنة الراضية بعطاء الله ولديها طمأنة روحية، حيث تتكيف سريعاً مع التغير السريع الذي يحدث في حياتها.

العمل الاجتماعي

أوضحت المستشارة الأسرية هناء ناقرو أن المرأة تتعرض في أواخر الأربعينيات وبداية الخمسينيات لانقطاع الدورة الشهرية، وما يصاحبها من تغيرات هرمونية كثيرة تظهر في هذه السن، وعلى رأسها انخفاض هرمون الأستروجين، موضحة أن للأسرة والأبناء دوراً رئيسياً في احتواء الأم والصبر على أي عصبية أو توتر يصدر منها، بحيث يشعرونها دائماً أنهم في أشد الحاجة لحبها ونصائحها واستشاراتها.

وعن الدور الذي يمكن أن تقوم به المرأة في هذه السن أجابت قائلة: المرأة معطاءة وقادرة على العطاء حتى بعد الخمسين، فمعظم القائمين على العمل الاجتماعي والخيري نساء تجاوزن الخمسين، ويتفرغن للعمل الإسلامي من خلال حفظ وتحفيظ القرآن الكريم للصغار والاهتمام برعاية الأيتام والمعوقين.

الخبرة والوقار

وأكدت أن النساء اللواتي تجاوزن الخمسين ذوات عزيمة وإصرار على التعلم وحفظ القرآن، حيث يكن أكثر تفرغاً من قبل، فهي في الخمسين تجني ثمرة تربيتها لأولادها في عائلتهم الكبيرة، وترتبط معهم ومع أولادهم بعلاقات اجتماعية قوية, ولذا عليها أن تحقق ما لم تحققه من قبل، خاصة بعد ما يتزوج الأولاد.

وقالت هناء ناقرو: ينبغي على الزوج أن يراعي نفسية زوجته ويتفهمها في هذه المرحلة، موضحة أن بعض الرجال ليسوا على علم أو دراية بالتغيرات الهرمونية والنفسية التي تمر بها زوجته في هذه المرحلة، ولذا على الزوجة أن تتحدث معه حول ما تشعر به، وتطلب منه الصبر والدعم النفسي والاجتماعي والعاطفي.

ونصحت المرأة في هذه السن بالنظر للحياة بنظرة كلها تفاؤل وحسن ظن بالله سبحانه وتعالى وألا تستسلم للملل والرتابة في الحياة، بل تجدد من نفسيتها ومن حياتها، وتبعث الأمل في نفسه، وأن تعرف أن لكل مرحلة من مراحل العمر جمالها ورونقها، موضحة أن المرأة بعد الخمسين تختص بالهيبة والخبرة والوقار.

صحراء روسيا

فيما تساءل الكاتب أحمد العرفج قائلاً: لماذا يرتبط الحب في أذهاننا بمرحلة عمرية معينة، مع أن المشاعر والأحاسيس تظل مع الإنسان حية ولا تموت إلا بموته، فالحب لا يقف عند الضوء الأحمر في الأربعين أو الخمسين أو الستين، مشيراً إلى أن النص القرآني "وجعل بينكم مودة ورحمة" يعرفنا بطبيعة العلاقة بين الزوجين في مرحلة الخمسين، حيث إن الإنسان قبل الأربعين يسبح في مياه الحب والمودة والغرام، وإذا تجاوز السن تتحول العلاقة من مودة إلى رحمة.

ورأى أن المرأة تشارك بعض الشيء في حالة الظلم الواقع عليها بعد الخمسين، حيث تحال إلى التقاعد، موضحاً أن هناك نساء لا يهتممن بأنفسهن ويقتصر حديثهن على أدوية السكري والضغط، وبات جلوسهن مع أزواجهن لتبادل نوبات التثاؤب والعطس، وغدت الحياة مملة ورتيبة، حتى أصبح الرجل يرغب في أن تفارق زوجته المنزل ويقول لها: بشريني عساك معزومة اليوم.

وأوضح العرفج أن الرجل يتحمل المسؤولية الكبرى باعتباره قائد المركبة في مرحلة العشرين، وليس من الرجولة أن يتخلى عن المرأة في الخمسين بعد أن ذهب شبابها في طاحونة الأيام، معرباً عن استيائه من نظرة الرجل للمرأة بعد الخمسين وكأنها صحراء روسيا واسعة وشاسعة، إلا أنه لا يرغب في السكن فيها، حيث لا تضيئها مصابيح الدنيا سوى مصباح الأمل والاستضاءة بذكريات الماضي.

عابرسبيل