بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال النووي رحمه الله : " مذهبنا أن دلك الأعضاء في الغسل وفي الوضوء سنة ليس بواجب ، فلو أفاض الماء عليه فوصل به ولم يمسه بيديه ، أو انغمس في ماء كثير ، أو وقف تحت ميزاب ، أو تحت المطر ناويا ، فوصل شعره وبشره أجزأه وضوؤه وغسله, وبه قال العلماء كافة إلا مالكا والمزني ، فإنهما شرطاه في صحة الغسل والوضوء .
واحتج أصحابنا بقوله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر رضي الله عنه : ( فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك ) ولم يأمره بزيادة , وهو حديث صحيح وله نظائر كثيرة من الحديث" انتهى من "المجموع" (2/214) باختصار .
وقال ابن قدامة رحمه الله : " ولا يجب عليه إمرار يده على جسده في الغسل والوضوء , إذا تيقن أو غلب على ظنه وصول الماء إلى جميع جسده . وهذا قول الحسن والنخعي والشعبي وحماد والثوري والأوزاعي والشافعي وإسحاق, وأصحاب الرأي" انتهى من "المغني" (1/290).
وعليه: فالواجب في الوضوء غسل الأعضاء مرة ، والتأكد من وصول الماء إلى العضو ، ولو كان ذلك بغمس العضو في الماء ، أو وضعه تحت الصنبور ، أو نحو ذلك ، ولا يشترط أن تقلب يدك أو تضع وجهك تحت الصنبور ، بل هذا كله من التكلف والتنطع في الأمر الشرعي ؛ ولا يلزمك دلك الأعضاء إلا إذا لم تستطع إيصال الماء إلى بعض المواضع إلا بالدلك ، فإنه يلزمك الدلك في هذه الحالة ، لكن مع الانتباه إلى عدم الانسياق وراء الوسوسة .
والفرق بين الغسل والمسح هو أن الغسل يشترط فيه جريان الماء على العضو المغسول ، بخلاف المسح فإنه لا يشترط فيه ذلك ، إنما يشترط فيه أن تمس المكان المراد مسحه بيدك المبتلة ، من غير صب الماء أو إسالته عليه ، كما في مسح الشعر وغيره.
ثانيا:
اعلم أن اليقين لا يزول بالشك ، فإذا تيقنت شيئًا ، فلا تلتفت بعد ذلك للشكوك ، وإذا فعلت فعلاً فلا تلتفت إلى أي شك يأتي بعد هذا الفعل ، فإذا غسلت يدك جيدا وتأكدت بأن الماء قد أصاب العضو كله ، فلا تلتفت بعد ذلك ولو بلحظات إلى شك يقول لك إنك لم تغسل يدك جيدا ؛ لأن هذا من وسوسة الشيطان ، فلا تجاره فيما يوسوس لك به ، فإن الاسترسال مع الوسوسة ، واتباع ما توحي به : يوقع الإنسان في الحرج والمشقة والهم والكرب ، وقد يؤدي به إلى الجنون ، ويخرجه عن حد العقلاء .
وما ذكرت من صفة غسلك ، وتكلفك في ذلك : هو خروج عن الحد المطلوب في ذلك شرعا ، ووقوع في الوسوسة والتكلف ، فاصرف نفسك عن ذلك ، وتوضأ كما يتوضأ الناس .