بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إلى فضيلة الشيخ عبدالرحمن السحيم حفظه الله ورعاه
سؤالي يا فضيلة الشيخ :
ما حكم قول البعض ( تباركت الديار ) - ( تبارك فلان )
والمعلوم أن ( تبارك ) لا تصرف لغير الله ؟
فهل من توضيح شكر الله لكم
الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وجزاك الله خيرا .
البركة : هي كثرة الخير .
قال ابن منظور في " لسان العرب " : البَرَكة النَّماء والزيادة ، والتَّبْريك الدعاء للإنسان أو غيره بالبركة ، يُقال : بَرَّكْتُ عليه تَبْريكا ، أي : قلت له : بارك الله عليك .
وبارك الله الشيءَ وبارك فيه وعليه : وَضَع فيه البَرَكَة ، وطعام بَرِيك كأنه مُبارك .
وقال الفراء في قوله : " رحمة الله وبركاته عليكم " قال : البركات السعادة .
قال أبو منصور : وكذلك قوله في التشهد : " السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته " ؛ لأن من أسعده الله بما أسعد به النبي صلى الله عليه وسلم فقد نال السعادة المباركة الدائمة .
وفي حديث الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم : " وبارِكْ على محمد وعلى آل محمد " ، أي : أَثْبِتْ له وأدم ما أعطيته من التشريف والكرامة ، وهو من بَرَكَ البعير إذا أناخ في موضع فلزمه . وتطلق البَرَكَةُ أيضاً على الزيادة . اهـ .
والبركة تكون في البيوت وفي الديار ، وتكون في الأشخاص .
قال أُسيد بن الحضير رضي الله عنه عن آل أبي بكر رضي الله عنهم : مَا هِيَ بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ . رواه البخاري ومسلم .
وسُئل الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله عن قول : (كلك بركة . أو : هذه من بركاتك؟)
فقال : لا بأس بذلك - كما في قول أسيد بن حضير : ما هي بأَول بركتكم يا آل أَبي بكر - إذا تلمح أَن فيه البركات التي جعل الله فيه ، أَو أَن الله الذي جعل فيه البركة والبركات . والممنوع تباركت علينا يا فلان . اهـ .
وسُئل عن قول بعض العامة تباركت علينا يا فلان أَو يا فلان تبارك علينا ؟
فأجاب رحمه الله : هذا لا يجوز ، فهو تعالى المبارِك ، والعبد هو المبارَك . وقول ابن عباس (تَبَارَكَ الله) تعاظم ، يُريد أَنه مثله في الدلالة على المبالغة ، والبركة هي دوام الخير وكثرته ، ولا خير أَكثر وأَدوم من خيره سبحانه وتعالى ، والْخَلْق يكون في بعضهم شيء ولا يبلغ النهاية . فيقال: مبارَك ، أَو فيه بركة ، وشِبْه ذلك . اهـ .
وسئل شيخنا العثيمين رحمه الله : عن قول العامة: " تباركت علينا " و "زارتنا البركة" ؟
فأجاب : قول العامة : " تباركت علينا " لا يريدون بهذا ما يريدونه بالنسبة إلى الله - عز وجل - وإنما يريدون أصابنا بَركة مِن مجيئك ، والبركة يصح إضافتها إلى الإنسان ، قال أسيد بن حضير لِمَّا نَزَلت آية التيمم بسبب عِقْد عائشة الذي ضاع منها قال : " ما هذه بأول بركتكم يا آل أبي بكر " .
وطلب البركة لا يخلو من أمرين :
الأمر الأول : أن يكون طلب البركة بأمْر شرعي معلوم ، مثل القرآن الكريم ، قال الله تعالى : (وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ) ، فَمِن بَرَكَته أن مَن أخَذ به وجَاهَد به حصل له الفتح ، فأنقذ الله به أُمَمًا كثيرة مِن الشِّرْك ، ومِن بَركته أن الحرف الواحد بعشر حسنات ، وهذه توفر للإنسان الجهد والوقت .
الأمر الثاني : أن يكون طلب البركة بأمر حسي معلوم ، مثل العِلْم ، فهذا الرجل يُتَبَرَّك بِه بِعِلْمِه ودَعوته إلى الخير ، قال أسيد بن حضير : " ما هذه بأول بركتكم يا آل أبي بكر" ، فإن الله قد يُجْرِي على أيدي بعض الناس من أمور الخير ما لا يُجريه على يَدِ الآخر .
وهناك بركات موهومة باطلة مثل ما يزعمه الدجالون أن فلاناً الميت الذي يزعمون أنه وَلي أنزل عليكم مِن بَركته وما أشبه ذلك ، فهذه بركة باطلة لا أثر لها ، وقد يكون للشيطان أثر في هذا الأمر لكنها لا تعدو أن تكون آثارا حسية بحيث إن الشيطان يخدم هذا الشيخ فيكون في ذلك فتنة .
أما كيفية معرفة هل هذه من البركات الباطلة أو الصحيحة ؟
فَيُعْرَف ذلك بحال الشخص ؛ فإن كان مِن أولياء الله المتقين المتبعين للسنة المبتعِدِين عن البدعة ، فإن الله قد يجعل على يديه من الخير والبركة ما لا يحصل لغيره ، أما إن كان مخالفا للكتاب والسنة ، أو يدعو إلى باطل فإن بركته موهومة ، وقد تضعها الشياطين له مُساعدة على باطله . اهـ .
والله تعالى أعلم .