( من كتاب الفَوائد لإبن القَيِّم )
-الجاهل يشكو الله إلى النَّاس وهذا غاية الجهل بالمشكو
والمشكو إليه، فإنه لو عرف ربه لما شكاه، ولو عرف الناس
لما شكا إليهم. ورأى بعض السلف رجلاً يشكو إلى رجل فاقته
وضرورته، فقال: يا هذا، والله ما زدتَ على أن شكوتَ من يَرحَمُك
إلى من لا يرحَمُك وفي ذلك قيل:
وإذا شكوتَ إلى ابن آدم إنَّما
تشكو الرَّحِيمَ إلى الذي لا يَرحَمُ
والعارف إنما يشكو إلى الله وحده
وأعرَفُ العارفين من جعل شكواهُ إلى الله من نفسِه
لا من الناس، فهو يشكو من موجبات تسليط الناس عليه
فهو ناظر إلى قوله تعالى { وَمَآ أَصَابَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ }
وقوله { وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ }
وقوله { أَوَ لَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا
قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ } . فالمراتب ثلاثة:
أخسُّها أن تشكو الله إلى خَلْقِهِ
وأعلاها أن تشكو نَفْسَكَ إلى الله
وأوسطها أن تشكو خلقه إليه.