نعمة التحدي
د. فوزية عبد الله أبو خالد
لست معاقة ...
أنا متحدية الإعاقة
وحركت أجنحتها تجاه الأفق
فاستحى السكون
لست معاقا
أنا متحدي الإعاقة
وحرك أصابعه بنشيد الحياة
فاستحى الكلام
لسنا معاقين
نحن متحدون الإعاقة
وحركوا عيونا مفعمة بالأشواق والتحدي
فاستحى الظلام
هم قبلوا تحدي الإعاقة
فإلى متى يبقى المجتمع يرفل
في إعاقته البصرية
فلا يبصر رفيف ريش من لم يمشوا في حياتهم قط ولكنهم استطاعوا أن يحلقوا
هم قبلوا التحدي
فإلى متى يبقى المجتمع ينعم بالصمم
فلا يصغي لتلك الموسيقى
الحالمة مرة
الشجية مرة
المرحة مرات ومرات
الصادرة عن صمت يتحدث بعدة لغات دفعة واحدة.
هم قبلوا التحدي
فقرؤوا وكتبوا بسوى مفردات الاستسلام
فإلى متى يبقى المجتمع أميا أمام أبجدية تحدي الإعاقات كفعل يومي بسيط مكتوب أمامنا بالصبر مرة وبالبصيرة مرة وبالإصرار مرات ومرات ولا نستطيع أن نتهجاه؟
متى نتحرر ويتحرر المجتمع من إعاقة الشفقة والانسحاب والقسوة والتجاهل والإهمال أو الحماية الزائدة وسواها من مشاعر النقص أو التعالي التي نعانيها ويعانيها المجتمع في التعامل مع تحدي الإعاقة؟
متى نتحدى ويتحدى المجتمع إعاقاته القيمية والسلوكية والشعورية في التعامل مع متحدي الإعاقة.
متى نملك ويملك المجتمع شجاعة تحدي إعاقتنا الاجتماعية مثلما أمتلك متحدي الاعاقة شجاعة ونعمة التحدي معا.
وهل تأتي لحظة تعيشها الأجيال التي على قيد الحياة اليوم نفتح فيها حواسنا على سعتها لننعم معا بنعمة التحدي؟!
هذه ليست صورا رومانسية من نسيج خيال شاعر عمن يعيشون واقع تحدي الاعاقة ولكنها صور من لحم ودم لبشر يحييون في المجتمع داخل مختلف شرائحه الاجتماعية، ذلك التحدي الذي بدونه لم يكونوا ليستطيعوا تحمل كبد العيش بكلفته الباهظة من أعصابهم وعواطفهم فيتقوون على جبروت الألم بقوة الإيمان ويقهرون قسوة العزلة الاجتماعية بأنس الأمل وببأس التسامي على الجراح.
لا يستكثر هذه الصور من صور المقاومة اليومية التي يعيشها متحدي الاعاقة على أصحابها إلا أولئك الذين يجهلون طبيعة الكفاح الحياتي المستميت الذي يخوض تجربته بجرأة كل إنسان يعيش تلك الحالة من التحدي. كما لا يستكثره إلا أولئك الذين يجهلون أو يتجاهلون ما تتطلبه مواجهة الاعاقة من جهد نبيل لقضاء الحاجات الإنسانية الأساسية وإن كانت مجرد التحامل على الذات على عدم الاكتراث لنظرة شفقة أو تعالي على مسمى جارح من تلك النعوت الاجتماعية المؤلمة التي لازال البعض يسمي بها بعض الإعاقات.
لا يستكثر تلك الصور المتموجة بالعنفوان مهما كان نوع الاعاقة ودرجتها إلا أولئك الذين يصرون على البقاء أسرى لتلك الصور النمطية عن حالات الاعاقة التي تعجز عن تصور متحدي الاعاقة خارج الصورة المنكسرة الجناح المستدرة للعطف السلبي، مع أن تلك الصور النمطية لا تخالف واقع متحدي الاعاقة المعاصر وحسب بل هي تخالف طبيعة الكرامة الإنسانية في كل عصر وزمان. ولا أظن أن مخلوقاً خلقه الله يعيش تلك الصورة المنكسرة إلا في حالة واحدة فقط وهي حالة أن يكون المجتمع نفسه مجتمعا منكسرا فتكون الحالات الفردية مرآة اجتماعية لحالة الشرخ العام.
هذا الطرح النقدي للاتجاه «الرعوي» و»السلطوي» في آن واحد في النظر لتحدي الاعاقة كان بعض مابلوره في تفكيري ذلك الحوار الإيجابي الذي بادرت إلى طرحه طالبة الدراسات العليا غيداء السبيعي وهي تتناول في بحثها «تحدي الصورة النمطية لواقع متحدي الاعاقة بالمجتمع السعودي». ولم يُكتفى في الموضوع بالطرح النظري بل شاركت باقة من الطالبات في النقاش بأمثلة تطبيقية دعمها البحث بعدد من صور اليوتيوب لعدد من متحدي الاعاقة نساء ورجالا، بعضهم في عمر النضج وبعضهم في مقتبل العمر حيث تحدثوا بلغات غير لغة الكلام المرتبك والمكرر عادة في الإعلام عن أهم تحدٍ يواجهونه في تحدي الاعاقة وهو تحدي مواجهة المجتمع للاعتراف بما يعانيه من إعاقات مركبة تخل بقدرته في التعامل السوي مع متحدي الإعاقة.
حملت بين أجنحة وجداني وعقلي وروحي ذلك المشهد الشجاع الذي أخذت مأخوذة أعيد تأمله في طريق العودة من مبنى الدراسات العليا بمركز الدراسات الجامعية للبنات بعليشة بعد أن شاركت في مائدة ذلك الحوار الصباحي الطازج على الريق الذي قادته بحميمية وموضوعية أكاديمية زميلتي الدكتورة هند الميزر مع طالبتها في مقررها لدرجة الماجستير للدراسات الاجتماعية بعنوان: الخدمة الاجتماعية في مجال الفئات الخاصة.
لم أكن ضيفة شرف على محاضرة زميلة عزيزة تملك حسا معرفيا مرهفا بل كنت طالبة صغيرة تتعلم من الطالبات. وقد خرجت من ذلك اللقاء بعدة أسئلة لا بأس أن أشرك المسؤولين بوزارة الشؤون الاجتماعية تحديدا وجهات حكومية ومنظمات رسمية وأهلية أخرى على سبيل الاختبار للمعلومات والمعاناة في بعض منها:
- لماذا لا توجد إلى الآن جمعيات أهلية تمثل متحدي الاعاقة وتعبر عن الواقع المعيشي والقضايا النقابية والحقوقية الخاصة بشؤونهم وشجونهم؟
- هل توجد مدونة بحقوق متحدي الاعاقة توضع في متناولهم ومتناول أسرهم ويجري تعميم ثقافتها في المدارس والجامعات والإعلام؟
- لماذا لا يوجد تمثيل لمتحدي الاعاقة بمجلس الشورى منهم لتمثيل مطالبهم والتعبير عن مصالحهم؟
- لماذا لا توجد جهات مراقبة ومحاسبة لما يتعرض له متحدي الاعاقة من تسويف في تنفيذ وتطبيق الخدمات التي تشرعها الدولة وتقرها المنظمات الدولية كحقوق لهم؟ ومنها أولوية الحصول على عمل، بطاقات تخفيض الخدمات العامة كالسفر، حق الدمج، تخفيضات السلع المساندة من الكراسي المتحركة إلى السيارات المجهزة.
- لماذا لا يزال متحدي الاعاقة بمدننا ناهيك عن قرانا وبمباني الدوائر الحكومية المعنية بشؤونهم ناهيك عن المنتزهات والطرقات يعيشون في «بيئة غير صديقة» وغير مهيئة لتحركاتهم. وهذا يطرح السؤال عن تخصيص مقاعد لهم في المجالس البلدية نساء ورجالا لتمثيل حاجاتهم في التخطيط البلدي.
- لماذا ورغم مضي مايزيد على عقدين من الزمان من تاريخ مبادرة المملكة إلى توقيع اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد متحدي الإعاقة، لا يزال التعامل في وزارة الشؤون الاجتماعية ومعظم -إن لم يكن كل المرافق الحكومية وأغلب قطاعات المجتمع التي يراجعها متحدي الاعاقة أو ذويهم- يتم في تقديم الخدمات الملزمة لهم من خلال مفهوم المكرمات، ولم يتقدم قيد أنملة في استبدال مفهوم الأعطية إلى مفهوم الحق البواح الذي يفرضه واجب الدولة تجاه المواطنين في مثل هذه الحالات؟
- لماذا لم تفعل إلى الآن كثير من البحوث المحلية التي تجري عن مختلف حالات تحدي الاعاقة مثل مركز الأمير سلمان لبحوث تحدي الاعاقة والجامعات. فلا يزال هناك غياب تام لوجود قاعدة معلومات عن نسبة متحدي الاعاقة إلى نسبة السكان وأنواع الإعاقات وحجم ونوع الخدمات المطلوبة لكل فئة من فئاتها مما يجعل الخدمات الموجهة لهم أقل من المطلوب وتسير بالبركة إن هي سارت؟ كما ينتج عن غياب قاعدة المعلومات تشتت الجهود والأهم وقوع عدد لا يستهان به في خانة ما يسمى بالفئات الحائرة التي لا توجه لها أي خدمات أصلا. هذا دون أن تنفي تلك الأسئلة وجود بعض الجهود المبعثرة هنا وهناك والتي بصراحة لا تغطي في مملكة مترامية الأطراف مرتفعة الدخل الحاجات والمصالح الحقيقة لمتحدي الاعاقة على الوجه المأمول أو قريبا منه وبدرجة من المساواة.
- وأخيراً لماذا لا يستبدل رسميا مسمى «ذو الإعاقات» بمسمى «متحدي الإعاقة» فهو الأقرب للتعبير عن واقع البطولات اليومية التي تعيشها هذه الفئة الغالية من المواطنين كما أنها الأدعى لتغيير «صورة الانكسار النمطية» ولشحذ الهمم لتأكيد الحق في الكرامة والاعتزاز الذاتي وفي التقدير الاجتماعي.
هذا ولهم الأمر من قبل ومن بعد
د. فوزية عبد الله أبو خالد
م.ن
|