بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شروط تأديب الولد
من المعلوم أن تأديب الوالدين لأولادهم يبدأ منذ الصغر، وتشتد الحاجة إلى تأديب الولد كلما أخذ يعقل التأديب والغرض منه، واحتاج إلى التأديب، وهذا التأديب - بالطبع - ليس مطلقاً بلا قيود ولا شروط.
بل هو مقيد بشروط وضوابط يجب على الولي المؤدِّب أن يراعيها عند ممارسة حق التأديب، ويمكن إجمال هذه الشروط فيما يأتي:
1 - أن يكون التأديب لأجل ذنب فعله الولد لا لذنب يخشى أن يفعله
2 - أن يتدرج الوالد في التأديب من الوعظ إلى الهجر ثم إلى الضرب، إذا تكرر من الولد الخطأ، ولم يفد الوعظ ولا الهجر في استصلاحه - مع مراعاة سن الضرب
3 - أن يكون ابتداء ضرب الولد على العبادة عند إكماله سن العاشرة، وأما ضربه على الأمور الحياتية والسلوكية فيجوز إذا كان مدركاً.
وتفصيل ذلك في الحالتين الآتيتين:
الحالة الأولى: ضربه على العبادات كالطهارة والصلاة والصوم.
الحالة الثانية: ضربه على الأمور الحياتية والسلوكية.
أما الحالة الأولى
فجمهور الفقهاء على أن وقت ابتداء تأديب الولد على الصلاة ونحوها يكون عند إكماله سن العاشرة لما ثبت في الحديث: "مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر"
"فلو كان ما دون العشر يحتمل التأديب بالضرب لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بتأديبه على تركها كما أمر بذلك في ابن عشر"
وخالف في ذلك الحنفية والمالكية - في رواية - فأجازوا ضرب ابن سبع سنين باليد لا بالخشبة.
والصحيح ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من أن ضرب الصغير على ترك الصلاة لا يكون إلا في السنة العاشرة لظاهر الحديث السابق.
ومع هذا فقد اختلف الفقهاء - رحمهم الله - في تحديد وقت ابتداء ضرب الولد على ترك الصلاة على أقوال:
فذهب الحنفية والحنابلة وهو قول عند الشافعية إلى أن الأمر بالضرب يكون بعد العشر بمعنى أن يكون في أول الحادية عشرة.
سئل الإمام أحمد رحمه الله عما يجوز فيه ضرب الصبي على الصلاة قال: "إذا بلغ عشراً"
وذهب المالكية والشافعية في القول الآخر إلى: أن الأمر بالضرب يكون عند دخوله العشر، ولو عقب استكمال التسع.
قال الخطيب الشربيني: "وينبغي اعتماده؛ لأن ذلك مظنة البلوغ.
والذي يظهر من هذه الأقوال أن وقت ابتداء ضرب الولد على الصلاة ونحوها لا يكون إلا عند تمام العاشرة، وشروعه في الحادية عشرة، لأن هذا المعنى هو المتبادر من ظاهر حديث النبي - صلى الله عليه وسلم.
الحالة الثانية: وقت ابتداء ضرب الولد على الأمور الحياتية والسلوكية
لا يخلو الأمر في هذه الحالة من قسمين:
القسم الأول: إذا كان الصغير غير مميز لا إدراك لديه، وهو من كان عمره دون سبع سنين، فهذا لا يجوز ضربه؛ لأنه لا يعي حكمة التأديب - إذ هو في حكم المجنون -، ولذا تجده يرجع إلى الخطأ نفسه.
قال الكاساني رحمه الله؛ في معرض حديثه عن تأديب الولد غير المميز، أما "المجنون والصبي الذي لا يعقل - فإنهما لا يؤدبان - لأنهما ليسا من أهل العقوبة، ولا من أهل التأديب"
وقال ابن رشد رحمه الله: "فأما الحال التي لا يعقل فيها - الصبي - معنى القربة فهو فيها كالبهيمة والمجنون ليس بمخاطب بعبادة ولا مندوب إلى فعل طاعة"
ولذا اتفق الفقهاء على أن جميع تصرفات الصبي غير المميز باطلة، وعبارتُه ملغاة، ولا أثر للإذن في تصرفاته؛ لأن الأهلية شرط جواز التصرف، ولا أهلية بدون العقل؛ ولأن ما صدر من الصغير غير المميز هو والعدم سواء.
القسم الثاني
إذا كان الصغير مميزاً بأن بلغ سبع سنين فأكثر، فهذا يتأتى منه أن يعقل مجمل المعاني، فيفهم الخطاب، ويرد الجواب ويدرك معنى الثواب والعقاب، ويعقل كون البيع سالباً للملك، وأن الشراء جالب له.
فإذا توافر هذا المعنى في حق الصبي المميز، فإنه يجوز للولي - حينئذٍ - ضربة بناء على صحة فهمه، وإدراكه لمعنى الضرب وصحة تصرفه إذا أجيز في البيع والشراء والوصية؛ ولأن الولي مأمور بحمله على محاسن الأخلاق، وزجره عن سيئها مع مراعاة التدرج اللائق في طرق التأديب، فلا يصار إلى الضرب إلا بعد اتباع المراحل السابقة للضرب بكل دقة، وأناة، وصبر، وحلم على الطفل مهما أمكنه ذلك
قال الشافعي رحمه الله
"وعلى الآباء والأمهات أن يؤدبوا أولادهم ويعلموهم الطهارة والصلاة ويضربوهم على ذلك إذا عقلوا"
وقال الخَرَشيرحمه الله
"إن الغاصب إذا كان مميزاً فإنه يؤدب وجوباً...، وأدبُه لأجل الفساد فقط، لا لأجل التحريم كما يؤدب على الزنا ونحوه تحقيقاً للاستصلاح وتهذيباً للأخلاق، وكذلك تضرب البهائم استصلاحاً وتهذيباً لأخلاقها. ومفهوم مميز عدم أدب غيره، وأما البالغ فيؤدب اتفاقاً"
وقال البهوتي رحمه الله
"وإن ظلم صبي صبياً... اقتص للمظلوم من الظالم، وإن لم يكن في ذلك زجر عن المستقبل، لكن لاقتصاص المظلوم وأخذ حقه. قال في الفروع: فيتوجه أن يقال: يفعل ذلك ولا يخلو عن ردع وزجر"
4 - أن يكون ضربه له مقتصراً على قصد التأديب والإصلاح، فلا يتعداه إلى مقاصد أخرى كالانتقام أو المضارة في ممارسة هذا الحق، فلا يجوز له أن يضربه بقصد الانتقام منه أو الإضرار به
5 - أن يكون الضرب غير مبرح متفقاً مع حالة الصغير وسنه، فلا يسرف فيه. والضرب غير المبرح هو: الضرب الذي لا إسراف فيه، وهو الذي يؤلم، ولا يكسر عظماً ولا يدمي جسماً، ولا يشق جلداً
6 - أن يتيقن الولي أو يغلب على ظنه أن ضرب الولد يفيده، ويحقق المقصود، فإذا لم يحصل شيء من ذلك لم يجز حينئذٍ ضرب الولد؛ لأنه يكون عقوبة بلا فائدة، ولأن الضرب وسيلة للإصلاح، والوسيلة لا تشرع عند ظن عدم ترتب المقصود عليها
للدكتور / إبراهيم بن صالح بن إبراهيم التنم