عرض مشاركة واحدة
قديم 11-05-2009, 11:08 PM   #1


الصورة الرمزية هادي أبوعامرية
هادي أبوعامرية غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 347
 تاريخ التسجيل :  Oct 2009
 أخر زيارة : 05-23-2013 (12:26 AM)
 المشاركات : 241 [ + ]
 التقييم :  1094
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي على رسلك بَيْش... إنه سلطان



على رسلك بَيْش... إنه سلطان










حين اعتلى الملك فهد رحمه الله العرش، رأى ضرورة التعريف بإنجازات الدولة، لأن الأسرة المالكة نشأت على مبدأ دع الأعمال تتحدث عن نفسها، وقد كانت هذه المقولة صحيحة في أزمان سابقة، وأصبحنا في زمن فيه الحديث عن الإنجازات ضرورة, لإخراس ألسنة الشانئين وما أكثرهم، وتمكين المخلصين من المنافحة عن وطنهم وولاة أمرهم، فليت الوزارات أو إمارات المناطق تنشئ كل واحدة منها بنكا مصغرا للمعلومات، يحوي فيما يحوي منجزاتها، تخزن فيه معلومات تامة عن المشروعات المنجزة، وتجمع كل تلك المعلومات في الرياض, في المواقع الخاصة بكل وزارة، أو في موقع واحد يشمل كل منجزات المملكة، فنحن في عصر الانترنت، لأني حين أردت الكتابة عن سد وادي بيش، تهت وأنا أبحث عن معلومة موثقة عن هذا السد, لم أجد المعلومات التي أحتاجها، ولم أتمكن من الدخول إلى موقع وزارة الزراعة، ولم أجد سوى كتابات جغرافيي قوقل إرث، ولكوني ابن هذا الوادي، نشأت على ضفته الشرقية سنوات, ثم تحولت حياتي إلى ضفته الغربية سنوات أخرى، فأنا سأكتب عنه كتابة عارف، أقصد عن وادي بيش، اما السد فلم أجد معلومات عن احتاج التأكد منها، ومعلوماتي عنه خليط من أقاويل الناس، ومعلومات مبتسرة من منتديات الشباب، وسأبدأ بتعريف القارئ بوادي بيش, وسأثني بالكتابة عن السد, فالكتابة عنه ضرورة.



هو أكبر أودية جزيرة العرب، وأعظمها سيولا، وأغزرها مياها، حتى أنه ليُظن أنه كان نهراً، ذلك لأنه في الماضي كان يجرى طوال العام، وأحيانا ثمانية أو تسعة أشهر، وسيوله في الغالب تفاجئ الذي يجتازه، ناهيك عمن يتنزه فيه، وهو بعيد المأتي، فهو ينحدر من جبال صعدة في اليمن، من منطقة تسمى دفا، بدال وفاء مفتوحين، ومنها يتجه شمالا حتى يجاوز جبل القهر في جيزان شيئاً يسيراً، ثم ينحرف ناحية الغرب إلى مخلاف بيش، حتى يصب في البحر في ساحل سوادة "ساحل الجعافرة", فيما يعرف بشاطئ عثَّر سابقاً، وخلال اجتيازه هذه المسافة تصب فيه أودية جبال صعدة، وأودية سراة قحطان، وأودية جبال الريث، باستثناء وادي قرى الذي يصب فيه عند قرية المحلة، وسد وادي بيش يحتوي جميع روافده باستثناء وادي العكاس، بكسر العين وفتح الكاف، ووادي الرجفة بفتح الراء وسكون الجيم وفتح الفاء، ووادي قرى آنف الذكر، ونحن في بيش أم الخشب وقراها لا نعد وادي قُرى من روافد بيش، لأنه يصب فيه بعد أن يجاوز مزارعنا.



لقد ورثنا عن أجدادنا أن عدد روافد بيش تسعة وتسعين وادياً، وجاء الجغرافي العقيلي فجعلها تسعين، وكلا القولين رجما بالغيب، ولكن مما لاشك فيه أن لوادي بيش الكثير من الروافد، تبعا للمسافة التي يقطعها، والجبال التي يجتاز سفوحها، وكنا في بيش فيما مضى، نرى البرق فنعلم على أي جزء من روافده يمطر، ومتى يأتي سيله، وكان أقربها أن يكون على العكاس والرجفة، وأبعدها ما يأتي سيله بعد ثلاثة أيام، نعرف ذلك من ارتفاع البرق عن الأفق، فكلما ارتفع كلما دل على قربه، وكلما انخفض وأقترب من الأرض كلما دل على بعده، ونحن نُعَرِّف السيول بالتسميات التالية:



أخف السيول وأيسرها السَّمَلَةُ، وتجمع على سمال، بكسر السين, ولها أصل فصيح، وردت في شعر تأبط شراً "الشنفرى"، وهذا السيل يجتازه من جاوز العاشرة من عمره, ويكون في مستوى أقل من نصف ساق الرجل المعتدل, ويلي السملة الوبل بسكون الباء, وهو سيل يبلغ للرجل المعتدل إلى ركبتيه أو أعلى ببضع سنتيمترات، وأصل الوبل المطر الغزير كبير القطر، وهو الوابل كذلك، كأنما يقال هذا سيل وبل أو وابل، ولا يجتاز هذا السيل إلا ذو مرة، وما زاد عن ذلك فهو السيل، والسيل اسم جامع لكل هذه التصنيفات, ومن السيول ما يكون عظيما مهولا، وهي سيول نادرة، ونحن في بيش نسمي مثل ذلك من السيول حاشراً، فيقال جاء الوادي بسيل حاشر, وهو الذي تجتمع له سيول روافد كثيرة، والحشر الجمع، قال تعالى: (وإذا الوحوش حشرت), ومن أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم الحاشر، أي الذي يجتمع إليه الناس يوم القيامة، ويسيرون خلفه للشفاعة، ووادي بيش مشهور بهذه السيول، وإن كان على فترات متباعدة، وعلى القائمين على السد أن يتوقعوا سيلاً حاشراً يأتيهم بغتة، وكان الناس في بيش يؤرخون بهذه السيول الحاشرة، فيقول سنة سيل السبت، وسيل الثلوث، وما شابه ذلك، ومنذ عشر أو خمس عشرة سنة لم يأت بيش بسيل حاشر، وكم من مرة جاءتنا مثل هذه السيول بجثث الموتى من أعالي الجبال، وأحيانا بجثث الأغنام، تدلنا عليها الكلاب وحوائم الطير، وكان الناس يتطوعون بنقل تلك الجثث ودفنها في المقابر، سيما في قرية بيش, وتوجد على الضفة الشرقية للوادي، وقد كانت طفولتي في تلك القرية، وتسمى الآن بيش العليا، إني لأذكر وأنا في سن الصبا, تلك الفتاة الجبلية التي حملها الوادي، لا يُعْلم من أي جبل، ودفنها مقابل قريتنا ودلت الكلاب عليها، حين رآها أحدهم تشم الرمال، فاستخرجوها وحليتها الفضية في معصميها وذراعيها، ليدفنوها في مقبرة القرية، إني لأذكر حزنهم وتحسرهم عليها, وهم لا يعرفونها, لقد كانت القلوب أرق مما هي عليه الآن, وكنا نجد بعد كل سيل حاشر جثث بشرية أو حيوانية, لقد أفضت في هذه المقدمة، كي يعلم القائمون على السد ما هو بيش، لأنهم لم يعرفوه بعد، فالسد بني في فترة انحباس الأمطار، ولو حصل لهذا السد أي مكروه نسأل الله الحماية, فإنه سيكون كارثة على مخلاف بيش ومحافظة الريث وقرية الفطيحة، ربما أشد من فيضانات بنجلاديش.



أما عن السد فلم أجد عنه معلومات موثقة، مذ كان فكرة، إلى أن تحول إلى هذا الصرح العظيم، وما أعرفه عنه هو ما تداوله الناس في مخلاف بيش, في سنوات ماضية قديمة، أو في السنوات المتأخرة، المصاحبة لبنائه، فأول ما فكرت الدولة في بناء سد في منطقة جيزان, اختارت أن يكون علي وادي بيش، كان ذلك في الثمانينات الهجرية، في عهد الملك فيصل يرحمه الله، أسند إلى شركة دراسة إنشائه، فأقامت على ضفة الوادي ما يقارب الستة أشهر، ثم اعتذرت تلك الشركة عن بنائه، بل قالت باستحالة بناء سد على وادي بيش، لفجائية سيوله وعدم انتظامها، فتحول المشروع إلى مجمع الأودية في جيزان، إلى سد وادي جيزان المعروف، ونامت فكرة سد وادي بيش في ولاية الملك خالد يرحمه الله، ثم عادت للتداول زمن الملك فهد تغمده الله بواسع رحمته، ربما بعد تربعه على العرش بأربع أو خمس سنوات, وتردد الحديث عن استحالة بناء سد على وادي بيش، فتصدى للأمر صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز حفظه الله، بهمته المعهودة, وأصر سموه أن يدخل في تحدٍ مع وادي بيش، بسبب أزمة المياه التي نعيشها، كل هذه المعلومات من أفواه الناس، وهي لا تخلو من صحة، ثم تم التعاقد مع الشركة الحالية بتاريخ 2/12/1424هـ الموافق 14/4/2003م، وتم استلام الموقع والشروع في العمل بتاريخ 22/2/1424هـ الموافق 24/4/2003م، على أن ينتهي العمل بتاريخ 22/2/1429هـ الموافق 1/3/2008م، هذه المعلومات من موقع اسمه باريس نجد، ويقول كاتب الموضوع: إن الانتهاء من المشروع تأخر ثلاثة عشر شهراً، وإذا صحت هذه المعلومة يكون الانتهاء من بناء السد في أواخر ربيع الأول، أو أوائل ربيع الثاني 1430هـ، وظل سلطان بن عبدالعزيز خلف هذا المشروع الباهر, حتى فرغت الشركة من بنائه, ويقيني أن هذه المعلومات مبتسرة جداً، فهي لم تتعرض للمشاق التي تعرضت لها الشركة المنفذة، حيث داهمتهم سيول خلعت بعض أساسات بنيانهم، وجرفت معداتهم في أحيان أخرى، لا أدري هل هي هذه الشركة التي جرى لها ذلك، أم شركة أخرى سبقتها، وهذه المعلومة تناقلها الناس، نقلا عن السكان القريبين من السد، مهما يكن فقد انتهى بناء هذا السد، وانتصرت همة سمو الأمير سلطان بن عبد العزيز، وأصبح سد وادي بيش صرحاً باهراً تشهد بعظمته أعين الرائين، وستشهد به الأجيال، يكفي أن ارتداد مخزونه في روافده بلغ عشرين كيلاً, شرقاً وجنوباً في بضع أشهر!!, وإن كان لي من كلمة، فإني أقول للقائمين عليه، لا بد من تفريغ جزء من مخزون السد بصفة مستمرة, يومياً أو أسبوعياً أو شهرياً، حتى لا يفاجئنا سيل من سيوله الكبار، ساعتها لن يجدي فتح قنوات التصريف.



هذا الصرح العظيم سيبني حضارة في بيش والريث, وسيقضي على مشكلة شح مياه الشرب التي بدأت تلوح في الأفق في قرى الريث ومخلاف بيش, فقرية بيش، وهذا هو اسمها القديم، وتعرف الآن ببيش العليا, تعانى من شح المياه منذ قرون، ومن المعلومات التي ورثناها عن الأجداد, أن الضفة الشرقية للوادي عديمة المياه الجوفية، وصدَّقت الدراسات العلمية هذه الحقيقة, لذلك تبرع شخص رحمه الله بأرض على الضفة الغربية تحفر فيها بئر، وسقت هذه البئر القرية زمنا، ثم تحولوا عنها بعد سنوات، ولا أدري الآن من أين يشربون، أما في أم الخشب "حاضرة بيش" فهم الآن يحفرون البئر ثم لا تلبث أن تجف، فيتحولون إلى حفر أخرى، وجميع قرى بيش تعاني من شح المياه، وأما في رخية فأبارهم معطلة منذ أسابيع، لا أدري بسبب ألآلات أم بسبب شح المياه، وأياً كان السبب فقرى الريث تعاني من شح المياه، بعد تبدل الحياة، وتغير نمط الشرب من غدران الأمطار إلى المياه النقية المفلترة المعقمة، وأحسب قرية الفطيحة كذلك، لقد جاء توقيت انتهاء بناء السد توفيقا ورحمة للقرى آنفة الذكر, سقى الله سلطان بن عبد العزيز من حوض الجنة، وسقى الله خادم الحرمين باني نهضتنا, من الكوثر شربة لا يظمأ بعدها أبداً.



أما عن الزراعة في بيش خاصة وفيها مزارع عملاقة، وأراض كانت تروى بسيول هذا الوادي, فأخشى أن يصيبها ما أصاب الأراضي التي بني لأجلها سد وادي جيزان, فأصبحت أرضا بوراً، ذلك أن أسلوب الري البدائي المتبع في سد وادي جيزان، ومزاعم الخبراء أن السد يغذي المياه الجوفية، أمر يحتاج من حكومتنا الرشيدة التروي في قبوله، لأنه قول غير صائب, ولو كان صائبا لظهرت فوائده في سد وادي جيزان، أما الزعم أن مياه سد وادي بيش، سوف تغذي أبار مزارع أم الخشب على بعد مائة كيل، وقد بني في أرض صخرية لا تسمح بتسرب قطرة ماء إلى باطنها، فأمر لا يفهمه إنسان، ونراه ضرباً من التخرصات، يجب أن يبقى عليه الخبراء في ملفاتهم, يشتغلون بقراءته أوقات فراغهم ليس إلا.



ولكن وقد وفق الله حكومتنا الرشيدة، بل نقل بصراحة، أما وقد وفق الله الأمير سلطان على قهر وادي بيش، فلا بد من إتباع أسلوب حديث للسقيا وللزراعة، كأن تصرف المياه للزراعة في أنابيب مقفلة، ثم يترك للمزارعين التوصيل منها إلى مزارعهم، لا أن يفاض الماء إلى سليل الوادي يذهب شذر مذر, أرجو أن يدرس مثل هذا الأمر من قبل خبراء، دراسة مستفيضة, فالسقيا بأسلوب وادي جيزان, بدائي وغير نافع البتة.



وأختم بالقول: مهلا بيش إنه سلطان بن عبد العزيز .







هادي بن علي بن أحمد أبو عامرية.


 

رد مع اقتباس