رد: أكتب نصيحه لمن بعدك وللجميع
قال ابن القيم رحمه الله: من أراد علو بنيانه فعليه بتوفيق أساسه وإحكامه وشدة الاعتناء به فإن علو البنيان على قدر توثيق الأساس وأحكامه فالأعمال والدرجات بنيان وأساسها الإيمان، ومتى كان الأساس وثيقا حمل البنيان واعتلى عليه، وإذا تهدم شيء من البنيان سهل تداركه ، وإذا كان الأساس غير وثيق لم يرتفع البنيان ولم يثبت ، وإذا تهدم شيء من الأساس سقط البنيان أو كاد.
فالعارف همته تصحيح الأساس فلا يلبث بنيانه أن يسقط. قال تعالى: «أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم» سورة التوبة : الآية رقم :109 .فالأساس لبناء الأعمال كالقوة لبدن الإنسان فإذا كانت القوة قوية حملت البدن ودفعت عنه كثيرا من الآفات، وإذا كانت القوة ضعيفة ضعف حملها للبدن وكانت الآفات إليه أسرع شيء.
فاحمل بنيانك على قوة أساس الإيمان، فإذا تشعث شيء من أعالي البناء وسطحه كان تداركه أسهل عليك من خراب الأساس . وهذا الأساس أمران:
«الأول»: صحة المعرفة بالله وأمره وأسمائه وصفاته، و «الثاني»: تجريد الانقياد له ولرسوله دون ما سواه ، فهذا أوثق أساس أسس العبد عليه بنيانه وبحسبه يعتلي البناء ما شاء. فأحكم الأساس و احفظ القوة ودم على الحمية و استفرغ إذا زاد بك الخلط، والقصد القصد وقد بلغت المراد، وإلا فما دامت القوة ضعيفة والمادة الفاسدة موجودة و الاستفراغ معدوما:
فأقر السلام على الحياة فإنها * * * قد آذنتك بسرعة التوديع
فإذا كمل البناء فبيضه بحسن الخلق والإحسان إلى الناس، ثم حطه بسور من الحذر لا يقتحمه عدو ولا تبدو منه العورة، ثم أرخ الستور على أبوابه، ثم اقفل الباب الأعظم بالسكوت عما تخشى عاقبته، ثم ركب له مفتاحا من ذكر الله تفتحه وتغلقه. فإن فتحت فتحت بالمفتاح وإن أغلقت الباب أغلقته به.
|