العدل المحمدي..الذي أضاعه المسلمون
العدل المحمدي..الذي أضاعه المسلمون
عن عائشة رضي الله عنها: أن قريشاً أهمهم شأن المرآة المخزومية التي سرقت، فقالوا: من يكلم فيها رسول الله صل الله عليه وسلم؟ فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامه بن زيد، حب رسول الله ! فكلمه أسامه فقال رسول الله صل الله عليه وسلم: أتشفع في حد من حدود الله تعالي ؟! ثم قام فأختطب، ثم قال: "إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها " متفق عليه .
في هذا الجو الإيماني الروحاني.. ومع هذه الإشراقة الوضاءة، من حياة سيد البشر محمد بن عبد الله " صل الله عليه وسلم " يضرب لنا المصطفي صل الله عليه وسلم أروع الأمثلة في تطبيق مبدأ العدالة والمساواة.. فبالعدل قامت السماوات والأرض.
وبالعدل أرسل الله الرسل.. وبالعدل أنزل الله الكتب.. فالكل في نظر الشريعة سواء.. لا تفريق ولا تمييز بين القوي والضعيف.. والغني والفقير.. والشريف والوضيع.. لا يراعي الغني لغناه، ولا يحابي الشريف لشرفه ومنزلته.. فالناس في ميزان الدين سواسية كأسنان المشط ..
وهكذا يأتي المصطفي صل الله عليه وسلم علي قواعد الجاهلية فيدكها من أساسها.. ويقتلعها من جذورها، ويقرر مبدأ الحق، والعدل والمساواة بين جميع الطبقات.
يأتي رسول الله علي قواعد الجاهلية " قاعدة الكيل بمكيالين " مكيال تكيل به أمريكا لإسرائيل.. ومكيال عكس تماماً تكيل به لأهل فلسطين.. وأهل العراق.. وأهل أفغانستان.. فيدك هذه القواعد من أساسها.. ويقتلعها من جذورها قائلاً :" لا فرق بين عربي وأعجمي وأحمر وأبيض إلا بتقوى الله سبحانه" .
ها هي امرأة من علية القوم ليست من أشراف مكة فحسب.. بل من أشراف قريش.. تسرق علي عهد النبي.. ويخشى عليها قومها وعشيرتها أن يصل أمرها إلي رسول الله فيقيم عليها الحد.. ويقطع يدها تحقيقاً لمبدأ العدالة والمساواة.. ويهتمون لشأنها ويعتريهم الكرب والغم.. فهي من الأشراف من الوجهاء، ما العمل، ما الحيلة، كيف نخلصها من هذه الأمر؟؟
لا نجاة ولا خلاص لهذه المرأة إلا أن نجد شفيعاً لها عند رسول الله، وشفيعا لا ترد شفاعته.. من يقدر علي هذا؟ فيقولون لا يستطيع علي هذا الأمر إلا حب رسول الله صل الله عليه وسلم.. أسامة بن زيد، إنه الحب بن الحب.. إنه الشفيع الذي لا ترد شفاعته ورجائه.
وبالفعل يأتي أسامة إلي رسول الله.. فيكلمه في شأن هذه المرأة وهو واثق كل الثقة من قبول شفاعته ورجائه.. فإذا بالنبي صل الله عليه وسلم يتلون وجهه، وتحمر عيناه، وتثور في نفسه دوافع الغيرة علي حدود الله.. فيقول لأسأمه أتشفع في حد من حدود الله؟؟ مستنكراً مستعظماً لعلمه ثم يقف خطيباً في الناس يبين لهم أن هلاك الأمم السابقة إنما كان بسبب قاعدة الكيل بمكيالين.. بسبب عدم تطبيق حدود الله فيقول قولته الخالدة " إنما أهلك الذين من قبلكم.. أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه.. وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد" .
والإسلام دين الحق والعدل والمساواة.. لا يرضي بهذا المبدأ الجائر الظالم مبدأ التفرقة بين الناس والتميز بين العناصر.. فهذا شريف يكرم ويعظم لشرفه.. وهذا ضعيف يزدري ويهان لقلة شأنه.. فهذا هو مبدأ الجاهلية تقسيم الناس إلي فئات وطبقات، سادة وعبيد، أشراف وضعفاء، أفاضل وخدم، لكل فئة قانون لكل جماعة نظام، لكل دولة مكيال.
لقد جاء الإسلام فحطم وكسر ومزق هذه النظم البالية، والقوانين الجائرة، وأقام الناس جميعاً علي قانون واحد، يشمل الصغير والكبير، والعظيم والحقير، السادة والعبيد، (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ).
فيغضب صلوات ربي وسلامه عليه لهذه الشفاعة.. ويقول: كلمته الخالدة الذهبية (والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها).
وحاشاها أن تسرق، وحاشاها أن تأتي فعلاً قبيحاً.. أو تأتي منكراً.. ولكنه المثال الخالد يضربه علي كر الدهور ومر العصور.. في أن رسالة الإسلام ودعوة محمد إنما هي دعوة العدل، ودعوة الإنسانية والمساواة، لا محاباة، لا مجامله.
هذا ديننا إنه المثل الأعلى.. والنموذج الكامل لعدالة الإسلام الذي ينبغي أن تبني عليها النظم وتساس عليها الأمم، لأنها شريعة الله، وإلا فالهلكة محققه.. فالنجاة والسلامة في تحقيق هذا المبدأ (ذَلِكَ أَن لَّمْ يَكُن رَّبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ).
وإذا كنا نتوجه باللوم والإنكار علي سياسة الغرب تجاهنا من عدم تطبيق مبدأ العدل والمساواة.. ولابد من أن يتخلوا عن سياسة الكيل بمكيالين.
فأيضاً نتوجه باللوم والإنكار الشديد علي أبناء الحركة الإسلامية.. الذين إذا زل عالم من غير جماعة زلة.. أوهن هنة سلخوه.. وأطلقوا لأسنتهم العنان في النيل منه.. وازدرائه وكذلك التقليل من شأنه..
أما إن كان من جماعته وزل نفس الزلة.. ونسأل الله العافية للجميع.. فليس أحد معصوم سوي من عصمه الله، تجد معه العكس تماماً.. ويقول لك هلاً سترته بثوبك.. من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة.
أيها الإخوة.. شريعة الإسلام.. ودعوة سيد الأنام دعوة العدل دعوة المساواة لا محاباة، لا مجاملة.. (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).
|