تحتل شجرة البن أهمية استثنائية في ذاكرة اليمنيين ، وثمة إجماع يجعل من هذه
الشجرة وثمرتها الشهيرة في موقع المحصول الوطني الأول . وفضلاً عن القيمة
الاقتصادية لشجرة البن ، ثمة قيمة تاريخية ومعنوية لهذه الشجرة ، فمن خلال
محصول البن سجل اليمن حضوراً متميزاً على المستوى العالمي منذ أوائل القرن
السادس الميلادي باعتباره المصدر الأول للبن من خلال ميناء المخاء غرب العاصمة
صنعاء الذي حمل البن اسمه إلى كل أنحاء العالم { موكا }
كان البن خلال القرون الثلاثة الأولى من التاريخ الحديث إلى جانب البهارات سبباً
مباشراً لتنافس الشركات الدولية والأساطيل التي تحميها من أجل الوصول إلى المياه
الدافئة في الشرق بحثاً عن خيراتها التي لا تنتهي ، وكان هو السبب أيضاً في الأهمية
التي احتلتها مدينة المخاء اليمنية حتى منتصف القرن التاسع عشر.
لكن جهود الشركات الدولية الهادفة إلى إيجاد بدائل أخرى لليمن في زراعة البن
في مسعى منها لإنهاء حدة المنافسة فيما بينها على مصدر واحد كانت قد أفلحت
في زراعته على نطاق تجاري واسع في كل من جزر الهند الشرقية (إندونيسيا حاليا وفي البرازيل) مما أدى إلى تراجع كبير في حجم إنتاج البن في اليمن سرعان ما جعله يبدو
هامشياً بالنسبة لمحاصيل أخرى مثل القات الذي انتشرت زراعته على نطاق واسع بسبب سهولة زراعته وملاءمته المناخية ومردوده الربحي السريع والكبير.
الوضعية الراهنة
هناك بالتأكيد أسباب كثيرة أيضاً ساهمت خلال العقود الماضية في تراجع زراعة
شجرة البن لعل أهمها :
ندرة المياه ،
وتخلف الأساليب المعتمدة في زراعته ،
وقدم عمر الأشجار
وعدم كفاءة المكافحة الحيوية والكيميائية للآفات التي تؤثر سلباً على نمو أشجار البن ، فضلاً عن مشكلة تفتت الملكية
وعدم اعتماد أساليب التقليم الدوري الحديث لشتلات وأشجار البن ،
وتخلف أساليب التسويق والتصدير مما قلل إلى حد كبير من الأهمية الاقتصادية للبن
لدى معظم المزارعين وألجأهم إلى زراعة بدائل أخرى أهما القات .
غير أن جودة البن اليمني جعله يحتفظ بموقعه كأفضل أنواع البن المنتجة في العالم ،
وحرصت الكثير من الشركات على إطلاق اسم موكا (المخاء) على البن الذي تسوقه.
وخلال السنوات الأخيرة أبدت الحكومة اهتماماً كبيراً بالبن ، وأعطت الأولوية لزراعته والعناية به، وإعادة الاعتبار لمكانته كأهم محصول نقدي في اليمن. وقد انعكس هذا
الاهتمام في الزيادة الملحوظة للمساحة الزراعية وحجم الإنتاج، حيث تشير تقارير
وزارة الزراعة والري إلى أن إنتاج البن زاد خلال الأعوام الثلاثة الماضية عن أكثر من
اثني عشر ألف طن فيما وصلت المساحة المزروعة بأشجار البن خلال الفترة نفسها
إلى ثلاثة وثلاثين ألف هكتار، بزيادة تصل إلى أكثر من تسعة آلاف هكتار عن المساحة المسجلة لدى وزارة الزراعة.
مناطق زراعة البن
يزرع البن في أقاليم مختلفة في اليمن ، ويزرع بصورة رئيسية على ارتفاع يتراوح
بين 1000 إلى 1700 كيلو متر فوق سطح البحر في الأودية التي تنحدر من
المرتفعات الغربية والوسطى والجنوبية وفي المدرجات الجبلية خصوصاً في سلسلة
الجبال الغربية المطلة على تهامة ، حيث تتراوح كثافة المساحة المزروعة
بالبن ما بين 900 إلى 1000شجرة في الهكتار الواحد ، ويتراوح إنتاج الهكتار
الواحد ما بين 300 إلى 600 كيلوغرام ، وهذه المناطق تمثل نحو40 بالمائة من
المساحة المزروعة في اليمن. ويعد المناخ الدافئ الرطب ، مع توافر القدر الكافي
من المياه ، مثالياً لنمو البن ، ونظراً لافتقاد معظم البيئات التي تزرع فيها شجرة البن
في اليمن إلى جانب أو أكثر من شروط النمو فإن المزارع اليمني استطاع مع مرور
السنين أن يكون خبرة كبيرة في التعامل مع شجرة البن ورعايتها ضمن أجواء تضمن
لها أفضل شروط الإنتاج ، واعتمد في سبيل ذلك تقنيات معتبرة في زراعة هذه الشجرة.
وتظهر براعة المزارع اليمني بصورة جلية في المدرجات الجبلية المكشوفة وعلى
ارتفاع يصل إلى 1700 متر فوق سطح البحر ، حيث تحولت هذه المدرجات كما في
جبل برع مثلاً إلى ما يشبه الحدائق المعلقة ، واستطاع ببراعته أن يؤمن البيئة المثالية
لنمو شجرة البن وإنتاجه ، من خلال العناية بالتربة الزراعية ، وغرس الأشجار الحراجية التي تتسم بفعالية في توفير أجواء رطبة وتجنب أشجار البن التأثيرات السلبية للبرد القارس وأهمها شجرة (الطنب) التي تعد أيضاً مصدراً للأخشاب الجيدة.
وتفيد الدراسات التي أعدها الخبراء من منظمات عربية ودولية معنية بالزراعة
أن اليمن يعد البلد الوحيد في العالم الذي تزرع فيه شجرة البن في ظل ظروف لا تتماثل
مع الظروف المناخية التي تزرع فيه أشجار البن في مناطق أخرى من العالم ، حيث يغلب على بيئة زراعة البن في اليمن ندرة المياه وعدم كفاءة التربة في خزن القدر الكافي من
هذه المياه ، ورغم ذلك يتمكن المزارع في هذا البلد من الحصول على أفضل أنواع البن
في العالم والمعروف بالبن العربي. وغالباً ما يلجأ المزارع إلى أساليب لا تخلو من
البراعة وخصوصاَ أثناء الرعاية الأولية لشتلات البن ، حيث يقوم بإحداث فجوات تتمتع بالعمق الكافي، ثم يضع الشتلة في الفجوة ويحيط الفجوة بسياج محكم من الأحجار ويزرع ضمن المساحة التي خصصها لشتلات البن أشجاراً حراجية لتوفير الأجواء الرطبة وحماية أشجار البن من البرد القارس ، ثم يتعهدها بالري الكافي ويظل يرعاها حتى تنمو إلى
المستوى الذي يمكنها من مقاومة المخاطر البيئية والحيوانية.
أصناف البن في اليمن
يعرف العالم البن اليمني باسم البن العربي ، وهو أجود أنواع البن ، وتحت هذه التسمية
توجد ثلاثة أنواع في اليمن هي :
العديني ، الدوائري ، والتفاحي ،
وهي الأكثر انتشاراً في اليمن ، وثمة أسماء كثيرة تطلق على البن ومعظمها تنسبه
إلى المناطق التي يزرع فيها مثل
البن الحمادي ، المطري ، الحيمي ، اليافعي ، البرعي ، والحرازي الخولاني