قال تعالى((قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَاللّهُ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * يَوْمَ تَجِدُ كُلّ نَفْسٍ مّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدّ لَوْ أَنّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدَاً بَعِيداً وَيُحَذّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَاللّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَاد *ِقُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبّونَ اللّهَ فَاتّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رّحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرّسُولَ فإِن تَوَلّوْاْ فَإِنّ اللّهَ لاَ يُحِبّ الْكَافِرِينَ)) ال عمران 29ـ32
في هذه الآيات الكريمة يعرف الله سبحانه وتعالى عباده به ثم يخبرهم بما سيجري معهم يوم القيامة من حساب وعذاب ورحمة ويبين كذلك حقيقة من يدعي محبته سبحانه وتعالى وهو متبع هواه ويحتم علينا أتباع نبيه محمد صلى الله عليه وسلم
الله سبحانه وتعالى العالم يعلم سرائر عباده وظواهرهم ولا يخفى عليه منهم خافيه وهو عالم بجميع أمورهم وعلمه سبحانه وتعالى محيط بهم في سائر ألأحوال والأزمان وجميع الأوقات ولا يغيب عن علمه مثقال ذرة ولا أصغر من ذلك لا في السموات ولا في الأرض
الله سبحانه وتعالى على كل شيء قدير فهو القادر وقدرته نافذة في جميع أحوال عبادة قادر على معاجلتهم في العقوبة وإذا أنظر من أنظر فما هو إلا إمهال لهم ثم يأخذ العصاة أخذ عزيز مقتدر .
يوم القيامة عندما يحضر لكل عبد من عبادة جميع أعماله من خير ومن شر فمن كانت أعماله خيراً فاز ونجا وسر بذلك ومن كانت أعماله شر خاب وخسر وساءه ذلك حتى أنه يتمنى لو أنه يستطيع أن يتبرأ من هذه الأعمال وأن يكون بينه وبين عمله أمداً بعيدا تماماً كما يقول لشيطانه الذي كان مقروناً به في الدنيا والذي زين له سوء الأعمال وجرأه على فعلها (( يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين )) ويخبرنا تبارك وتعالى عن يوم القيامة أنه يحاسب كل أمة بإمامهم بقوله تعالى ((يَوْمَ نَدْعُواْ كُلّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَـَئِكَ يَقْرَؤونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً * وَمَن كَانَ فِي هَـَذِهِ أَعْمَىَ فَهُوَ فِي الاَخِرَةِ أَعْمَىَ وَأَضَلّ سَبِيلاً))الإسراء71ـ72قال ابن عباس في قوله {يوم ندعو كل أناس بإمامهم} أي بكتاب أعمالهم, المراد هاهنا بالإمام هو كتاب الأعمال ولذا قال تعالى: {يوم ندعو كل أناس بإمامهم فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرؤون كتابهم} أي من فرحته وسروره بما فيه من العمل الصالح يقرأه ويحب قراءته.
الله سبحانه وتعالى شديد العقاب لذلك يخوفنا سبحانه وتعالى من عقابه ويحذرنا بقوله تعالى (( ويحذركم الله نفسه )) ومع هذا التحذير وهذا التخويف وحتى لا ييأس عباده من رحمته ويقنطوا من لطفه يقول لنا بأنه روؤف بالعباد قال حسن البصري رحمه الله من رأفته سبحانه وتعالى بعباده حذرهم نفسه فهو سبحانه وتعالى رحيم بخلقه ولا يحب لهم إلا أن يستقيموا على صراطه المستقيم ودينه القويم وأتباع نبيه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم لذلك قال سبحانه وتعالى ((قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله)) هذه الآية رد على كل من يدعي محبة الله سبحانه وتعالى ويتبع هواه ولا يتبع المنهج والطريقة التي جاء بها نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم فهو كاذب بدعواه ولن يكون محباًً لله سبحانه وتعالى إلا من اتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع شؤون حياته قولاً وفعلاً كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )) لذلك حتى تكون محباًً لله سبحانه وتعالى لا بد من اتباع محمد عليه الصلاة والسلام وبإتباع محمد عليه الصلاة والسلام تتحصل على محبة الله جل جلاله وهي غاية أعلى من أن تحب الله جل جلاله فليس المهم أن تٌحِب فحسب بل أن تٌحَب كما قال أحد الحكماء : ليس الشأن أن تٌحِب إنما الشأن أن تٌحَب
ثم قال تعالى: {ويغفر لكم ذنوبكم، والله غفور رحيم} أي بإتباعكم الرسول صلى الله عليه وسلم تحصل لكم المغفرة من ربكم والرحمة ورحمة الله سبحانه وتعالى واسعة كما تعلمون إذ يقول جل جلاله ((ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون , الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذين يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم , فالذين أمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون)) ثم قال تعالى آمراً لكل أحد من خاص وعام {قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا} أي خالفوا عن أمره {فإن الله لا يحب الكافرين} فدل على أن مخالفته في الطريقة كفر، والله لا يحب من اتصف بذلك، وإن ادعى وزعم في نفسه أنه محب لله ويتقرب إليه حتى يتابع الرسول النبي الأمي خاتم الرسل ورسول الله إلى جميع الثقلين: الجن والإنس، الذي لو كان الأنبياء بل المرسلون بل أولو العزم منهم في زمانه ما وسعهم إلا اتباعه، والدخول في طاعته، واتباع شريعته
المرجع \ تفسير ابن كثير