بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في الاسلام لا يكفي ان يكون الرجل متقيا، بل يتوجب عليه ان يجعل أسرته متلبسة بالتقوى وبذلك يبرئ المرء ذمته أمام الله سبحانه وتعالى، في وقاية نفسه و أهله من النار.
وغير ذلك فان اكتفاء المؤمن بكونه مؤمنا دون بذل جهد لتغذية أسرته بالتقوى، لا يخلي ساحته من المسؤولية، ولا يعفيه من المحاسبة.
يقول تعالى في محكم كتابه العزيز:
(يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم و اهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون)[سورة التحريم: الآية 6].
المسؤول الأول عن الأسرة
يؤكد المفسرون ان الآية المباركة، بجوها الأخروي المحرك لخوف الأباء وشفقتهم على أسرهم، صريحة في بيان مسؤولية الرجال عن أسرهم، وأنهم يتحملون مسؤولية تعليمهم وتربيتهم وتهذيبهم. ولا يمكن للأباء ان يقوا أهليهم النار إلا بتقوى الله سبحانه وتعالى، ولا تتم التقوى إلا بطاعة الله سبحانه وتعالى واجتناب معاصيه.
وهناك حديث جامع يؤكد مسؤولية الأب عن الأسرة وضرورة دعم زوجته له في هذه المسؤولية الكبرى، يقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):
(ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالأمير على الناس راع وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع عن أهل بيته وهو مسئول عنهم، والمرأة راعية على أهل بيت بعلها وولده وهي مسئولة عنهم، ألا فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته).
أباء مستقيلون
رغم هذه الجمهرة من الأحاديث التي لا تدع مجالا للشك والجدية في مسئولية الرجل عن أسرته وعياله،ورغم جو الآية المباركة الذي يثير الخوف والشفقة من الإنسان على نفسه ومتعلقيه، إلا أننا نجد البعض من الآباء لا يكترثون بتربية أسرهم، ويتركون للشارع والآخرين رسم نمط حياتهم كيف ما أرادوا وكأن القرآن الكريم لم ينزل فيهم وان النبي (صلى الله عليه وآله) قال أحاديثه لمخلوقات تعيش في كوكب غير الأرض التي يعيشون عليها.
لقد برز في الآونة الأخيرة مصطلح الأباء المستقيلون في الدراسات الاجتماعية، نظرا لتفشي ظاهرة الأباء الذين يتخلون عن التزاماتهم الأسرية، ويصبح كل همهم توفير الاحتياجات المادية لأسرهم، منشغلين عنها إما بالاستغراق في العمل لكسب مزيد من المال وتكديس الثروة، أو قضاء الوقت في اللعب واللهو مع رفقاء السوء، أو حتى غفلة عن أهمية إعطاء الرجل من جهده ووقته وماله لأسرته.
البعض من الناس يعتقد ان قضاء وقت مع الأسرة مضيعة للوقت، وهو ما لا ينبغي للمرء عمله. لكن ذلك خطأ كبير إذ ان قضاء الوقت مع الأسرة، الزوجة و الأطفال، ناهيك عن الثواب الأخروي الكبير الذي أعده الله سبحانه وتعالى، للمؤمنين الذين يقومون به، له متعة خاصة، للأب من ناحية و للأسرة من ناحية أخرى. ولو حاول أي واحد منا ان يتذكر اللحظات التي قضاها مع والده في فترات حياته المختلفة، لشعر ان تلك اللحظات غرست بداخله شعورا عاطفيا جميلا. إضافة الى ان الزوجة تكون بأشد لحظات سعادتها حين ترى زوجها بصفها،
المسئولية المعاصرة
تزداد أهمية العناية من قبل الأب بالأسرة في الوقت الراهن، نظرا للتطور التكنولوجي الذي حدث في وسائط الإعلام والاتصال، فقد كان الإنسان فيما مضى من الزمن قادرا على صناعة الجو الثقافي والتوجيهي الخاصة بأسرته في داخل بيته، ولا يمكن لأية ثقافة أو توجيه آخر ان يقتحم عليه داره،
أما في الوقت الراهن فان التطور أدى الى اقتحامات كثيرة للحرم الأسري، من هنا يتوجب على الأباء ملاحقة هذه الاقتحامات وعدم السماح لها بإدخال أهلهم النار. وهذا يتطلب منهم معرفة الفضائيات التي تشاهدها أسرهم، وصفحات الإنترنت التي يدخلون عليها، وان من الغفلة بمكان التساهل مع الثقافة التي تبثها وسائل الإعلام المختلفة، أو النظر إليها باعتبارها وسائل ترفيه، تتسلى بها أسرهم في فترات غيابهم عنها.
وبصف ذلك ينبغي للآباء الانفتاح على الأساليب الحديثة في التربية التي تيسر تفاعل الأسرة مع القيم الدينية، عبر الوسائل المختلفة. لقد فرض علينا التطور العلمي في حياة البشرية اليوم، ان نحيط علما بكثير من الأمور التي لم تكن في الماضي من الضرورات التربوية. وهذا يتطلب وعيا تربويا من قبل كل رب أسرة، وكل أم تريد تنشأة ولدها على الإيمان وحمايتهم من نار جهنم.