تعز باهل البلاء
تلفت يمنة ويسرة فهل ترى إلا مبتلى وهل تشاهد إلا منكوبا ، في كل دار نائحة ، وعلى كل خد دمع ، وفي كل واد بني سعد .
كم من المصائب ، وكم من الصابرين ، فلست أنت وحدك المصاب بل مصابك أنت بالنسبة لغيرك قليل ، كم من مريض على سريره من أعوام يتقلب ذات اليمين وذات الشمال يئن من الألم و يصيح من السقم ، كم من محبوس مر به سنوات ما رأى الشمس بعينه ، وما عرف غير زنزانته . كم من رجل وامرأة فقدا فلذات أكبادها في ميعه الشباب وريعان العمر .
كم من مكروب ومدين ومصاب و منكوب .
آن لك أن تتعزى بهؤلاء ، وأن تعلم علم اليقين أن هذه الحياة سجن للمؤمن ، ودار للأحزان والنكبات ، تصبح القصور حافلة بأهلها وتمسي خاوية على عروشها ، بينما الشمل مجتمع والأبدان في عافية والأموال وافره ، والأولاد كثر ، ثم ما هي إلا أيام فإذا الفقر والموت والفراق والأمراض ( وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم المثال )
فعليك أن توطن نفسك كتوطين الجمل المحنك الذي يبرك على الصخرة ، وعليك أن توازن مصابك بمن حولك وبمن سبقك في مسيرة الدهر ، ليظهر لك انك معافى بالنسبة لهؤلاء وأنه لم يأتك إلا وخزات سهلة فاحمد الله على لطفه واشكره على ما أبقى ، واحتسب ما أخذ ، وتعز بمن حولك .
ولك في رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة وقد وضع السلي على رأسه وأدميت قدماه وشج وجهه وحوصر في الشعب حتى أكل ورق الشجر ، وطرد من مكة ، وكسرت ثنيته ، ورمي عرض زوجته الشريف ، وقتل سبعون من أصحابه ، وفقد أبنه ، وأكثر بناته في حياته ، وربط الحجر على بطنه من الجوع ، واتهم بأنه شاعر ساحر كاهن مجنون كذاب ، صانه الله من ذلك ، وهذا بلاء لا بد منه وتمحيص لا أعظم منه ، وقد قتل قبل زكريا وذبح يحي ، وهجر موسى ، ووضع الخليل في النار ، وسار الأئمة على هذا الطريق فضرج عمر بدمه ، واغتيل عثمان ، وطعن علي وجلدت ظهر الأئمة وسجن الأخيار ، ونكل بالأبرار ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلو من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا )