تفسير قوله تعالى: (إن جاءكم فاسق بنبأ)
باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه،
يقول الله سبحانه وتعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا
بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ * وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ
لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ
فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ *
فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [الحجرات:6-8].
بعد ما تقدم بيان حق النبي صلى الله عليه وسلم على الأمة من جانب
الرسالة، ومن جانبه شخصياً، ومن جانب حرمة بيته،
جاء هنا بيان أدب رابع، وهو: التأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
في غيبتهم عنه، فيقول سبحانه:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [الحجرات:6]، وهذا
النداء المتكرر لينبه بلوازم الإيمان من السمع والطاعة.
(إِنْ جَاءَكُمْ)، يقول علماء اللغة:
(إن) و(إذا) من أدوات الشرط، ولكن (إن) للأمر النادر، و(إذا) للأمر
بكثير الوقوع. والفاسق: هو الخارج عن الطاعة،
وأصل الفسق في اللغة: الخروج عن الطريق المعتاد، فتقول العرب:
فسقت النواة عن الرطبة: إذا خرجت من موضعها الذي كان ينبغي
أن تبقى فيه، وفسقت الحبة عن الطاحون. أي:
ندت عن موضع طحنها، والفاسق هو الذي خرج عن الصراط السوي،
وشرعاً: الذي خرج عن الصراط المستقيم؛ بارتكاب بعض المخالفات.
ويقول العلماء في: (إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ) قدم الفعل،
ولم يقل: (إن فاسق جاءكم)؛ لأن الغرض هنا المحافظة على المجيء
إليهم وليس لغرض الفاسق في ذاته.
النبأ والخبر يشتركان في الإخبار عن أمر غائب،
وأصل الخبر مأخوذ من الأرض الخبار، وهي الأرض الخصبة إذا وطئت ثار
لها غبار، فالغبار هذا يسمى خبار؛ لأنه يخبر وينبئ عن وطءٍ جرى فيها.
فكذلك الخبر إنما هو إتيان بعلم للمخبر بما لم يكن يعلمه،
ولكن فرقوا بين الخبر والنبأ، فالخبر أعم؛
فكل أمر لم تكن تعلمه وأعلمت به فهو خبر، ولكن النبأ لا يطلق
إلا على ما له شأن هام،
كما بين سبحانه في أمر الساعة: عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ
* عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ [النبأ:1-2]. (إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا)، وهناك قراءة: (فتثبتوا)
وهيكل الكلمة واحد، ولكن الاختلاف في النقط، وقرئت بهذا وقرئت بذاك.
وتبينوا: من التبيان وهو التثبت أيضاً. ثم بين سبحانه وتعالى نتيجة
وموجب هذا التثبت وهو: أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ
[الحجرات:6]، أي: لئن تصيبوا قوماً بجهالة بناءً على نبأ
الفاسق المغاير للواقع؛ لأن الغريب هنا مجيء الفاسق بالنبأ ووصفه
بالفسق يشعر بأن نبأه الذي جاء به كذب، فربما ينبني على هذا النبأ
الكاذب تصرف يقع بسببه أثر على من أخبر عنهم، كالنميمة بين القوم وغيرهم.
(فَتُصْبِحُوا): بعد أن يتبين لكم حقيقة الأمر بكذب الفاسق. (نَادِمِينَ): هنا يرى بعض علماء الحديث:
أن مبدأ علم مصطلح الحديث من هذه الآية، وقالوا: إن العدل المعروف
بالعدالة لا يحتاج أن يتثبت عن خبره؛ لأنه معروف بالعدالة عندهم،
وكذلك قالوا في جواز قبول خبر الواحد: إن لم يكن فاسقاً،
ومفهوم المخالفة: إن كان الآتي بالنبأ ليس فاسقاً فلا حاجة إلى
التبين ولا إلى التثبت، وهنا أيضاً يقول بعض العلماء:
الأصل في المسلم العدالة ما لم يظهر جرح أو فسق، والآخرون يعكسون،
وهذه الآية تدل على الأول، ومن كان مجهول الحال فيبحث عن حاله.......
سبب نزول قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ)
قال الله:
إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ، وقد جاء عنه
صلى الله عليه وسلم في سبب نزولها أنه قال:
(التثبت من الرحمان، والعجلة من الشيطان)
وهذا التبين احترازاً لكم من أن تصيبوا قوماً بمقتضى النبأ الكاذب،
ويذكرون في سبب النزول قصة أو حادثة يتفق عليها كثير من المفسرين
ويردها البعض كـالفخر الرازي وهي:
أن الحارث بن أبي ضرار سيد بني المصطلق قدم على النبي صلى الله عليه
وسلم فأسلم، وأرسله النبي صلى الله عليه وسلم، أو هو طلب من النبي
أن يرجع إلى قومه فيعرض عليهم الإسلام فمن أجابه أخذ منه زكاة المال،
وأخذ موعداً من رسول الله أن يرسل إليه رسولاً يقبض ما يجمعه من الزكاة،
فأرسل إليه الرسول، فلما خرج، قيل: إنهم استبطئوا موعد رسول الله،
فقال الحارث لقومه: ما من رسول الله خلف وقد عدني وما أرى رسول
الله تأخر إلا عن وشاية علينا، قوموا لنذهب بصدقاتنا إلى رسول الله،
فلما تأخر رسول رسول الله لأخذ الزكاة جمع وجهاء القوم وأخذ الزكاة
وجاء في طريقه إلى المدينة ليقدمها إلى رسول الله حسب الوعد،
يقولون: لما ذهب ذاك المرسول إذا به رأى تجمع القوم قادمين،
وكان بينه وبينهم في الجاهلية حرب، فخاف على نفسه فرجع،
فلما رجع أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بخبر غير الواقع، وقال:
إنهم ارتدوا، ومنعوا الزكاة، وكادوا يقتلونني. وفي رواية:
أن الرسول صلى الله عليه وسلم حينما بلغه ذلك جهز خالد بن الوليد
ليذهب إليهم، فلما خرج خالد من المدينة لقيه الحارث بوجهاء قومه،
فقالوا له: لمن بعثت يا خالد ؟
قال: لكم، قالوا: ولماذا؟ قال: لأنكم فعلتم كذا وكذا وكذا،
فأقسموا بالله أو بالذي بعث محمداً نبيناً ما جاءنا أحد ولا وجدنا أحداً
ولا لقينا أحداً، وإنما جئنا حينما جاء الموعد ولم يأت مبعوث رسول الله
ليأخذ الصدقة. وفي بعض الروايات أن خالداً وصل إلى ديارهم وأرسل
عيوناً بين يديه، لينظروا:
هل ارتد القوم فعلاً أم أنهم على إسلامهم، فذهبت العيون وجاءوا
وقالوا: يا خالد جئناهم على المغرب فإذا بهم يؤذنون ويصلون،
انتظرنا إلى العشاء فإذا بهم يؤذنون ويصلون، انتظرنا إلى الفجر
فإذا بهم يؤذنون ويصلون، فدخل إليهم خالد وقال لهم الخبر.
وعلى كل: فالبعض يجعل هذه الآية نزلت في هذا الصحابي، وبعض العلماء
يقول: إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم عدول وليس فيهم
من يوصف بهذا الوصف، ولكن من حيث الترتيب الزمني في نزول هذه الآية
فقد صادفت قصة الوليد بن أبي معيط ، وصادف نزول الآية وقوع هذا
الخبر، وليست هي نازلة في شأنه، ولكن تزامنت معها،
وبهذا يبرأ جانب الصحابي الجليل من أن يوصف بالفسق،
وسداً على طوائف يطعنون في أصحاب رسول الله جملة وتفصيلاً من القمة
إلى النهاية، وإذا سدّ هذا الباب كان أسلم وأولى،
وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حقيقون بأن تدفع عنهم هذه التهم،
وكما قيل:
قوم اصطفاهم الله لصحبة رسوله؛ لابد أن يكونوا على أعلى المستوى
ونحن فالنتقي الله في اتهامنا بعض اخواننا المسلمين ايا كانوا لأن هذه الإتهامات لا يرضى عنها الله سبحانه و تعالى نرجوا الإتعاض من الآية الكريمة .
وجزاكم الله خيرا على الإطلاع .
نقلتها لتعم الفائدة لنا و للغير .