02-13-2012, 08:10 AM | #1 | |
|
كلنا ما بين طول الأمل وبغتة الأجل
[table1="width:85%;background-color:black;"]
| [/table1]بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين " الأمل يلهي ، والمطامع تغر ، والعمر يمضي ، والفرصة تضيع والأمل البراق ما يزال يخايل لهذا الإنسان وهو يجري وراءه ، وحتى يغفل عن الله ، وعن القدر ، وعن الأجل وحتى ينسى أن هنالك واجبا ، وأن هنالك محظورا ، بل حتى لينسى أن هنالك إلها ، وأن هنالك موتا ، وأن هنالك نشورا ، وهذا هو الأمل القاتل " في صحيح البخاري من حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- قال :" خط النبي صلى الله عليه وسلم خطا مربعا ، وخط خطا في الوسط خارجا منه ، وخط خططا صغارا إلى هذا الذي في الوسط من جانبه الذي في الوسط وقال: هذا الإنسان وهذا أجله محيط به -أو قد أحاط به - وهذا الذي هو خارج أمله ، وهذه الخطط الصغار الأعراض ، فإن أخطأه هذا نهشه هذا ، وإن أخطأه هذا نهشه هذا " " والمراد بالأعراض : الآفات العارضة له ، فإن سلم من هذا لم يسلم من هذا ، وإن سلم من الجميع ولم يصبه آفة من مرض ، أو فقد مال ، أو غير ذلك بغته الأجل . والحاصل أن من لم يمت بالسبب مات بالأجل وفي الحديث إشارة إلى الحض على قصر الأمل ، والاستعداد لبغتة الأجل ، وعبر بالنهش وهو لدغ ذات السم مبالغة في الإصابة والإهلاك والشاهد أن الإنسان تتجاوز آماله حدود أجله ، و يخترمه أجله دون أمله ، وقد أوضح النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا المعنى ، فعن جابر بن زيد -رضي الله عنه- قال: أخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أعواد ، فغرس إلى جنبه واحدا ثم مشى قليلا ، فغرس آخر ثم مشى قليلا ، فغرس آخر ثم قال : هل تدرون ما هذا ؟ هذا مثل ابن آدم ، وأجله ، وأمله ، فنفسه تتوق إلى أمله ، ويخترمه أجله دون أمله " والحق سبحانه وتعالى نعى على بني إسرائيل حرصهم على الحياة -أي حياة- وطول الأمل فيها ، فقال :" ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر والله بصير بما يعملون " البقرة 96 ود هؤلاء أن لو يعمر أحدهم ألف سنة - والمعنى طول المكث في الحياة - وذلك غير نافعه ، كما أن إبليس لم ينفعه طول عمره إذ كان كافرا. وقال تعالى :" الر تلك ءايات الكتاب وقرءان المبين * ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين * ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون * " الحجر أي ذرهم يأكلوا و يتمتعوا و يلههم الأمل عن التوبة و الإنابة ، فسوف يعلمون عاقبة أمرهم . وطول الأمل له سببان : أحدهما حب الدنيا ، والآخر : الجهل أما حب الدنيا : فهو أن الإنسان إذا أنس بها وبشهواتها ولذاتها و علائقها ، ثقل على قلبه مفارقتها ، فامتنع قلبه من الفكر في الموت الذي هو سبب مفارقتها ، وكل من كره شيئا دفعه عن نفسه ، والإنسان مشغول بالأماني الباطلة ، فيمني نفسه أبدا بما يوافق مراده فيصير قلبه عاكفا على هذا الفكر موقوفا عليه ، فيلهو عن ذكر الموت ، فلا يقدر قربه ، فإن خطر له في بعض الأحوال أمر الموت ، والحاجة إلى الاستعداد له سوف ، ووعد نفسه ، وقال : الأيام بين يديك أغلب الناس لو سألتهم عن سبب انهماكهم في الحياة الدنيا لقالوا : نؤمن مستقبل أولادنا . ومن يؤمن مستقبلهم هم ؟! الإنسان تنتظره مخاوف عدة : من سكرات الموت ، وضمة قبر ، وسؤال ملكين ، و عرض مقعد ، وطول انتظار في أرض محشر ، ودنو شمس ، وإلجام عرق ، وزفرة نار ، وغضب جبار ، وتطاير صحف ، وميزان ، وصراط..... وآخر ذلك إما إلى الجنة ، وإما إلى النار . فلا يزال يسوف و يؤخر، إلى أن تخطفه المنية في وقت لم يحسبه فتطول عند ذلك حسرته، وأكثر أهل النار وصياحهم من (سوف) ، والمسكين لا يدري أن الذي يدعوه إلى التسويف اليوم هو معه غدا . وأما الجهل : فهو أن الإنسان قد يعول على شبابه فيستبعد قرب الموت مع الشباب ، وقد يستبعد الموت لصحته ، و يستبعد الموت فجأة ، و لا يدري أن ذلك غير بعيد ، فالموت ليس له وقت ونهار ، ولكن الجهل بهذه الأمور ، وحب الدنيا ، و غواه إلى طول الأمل ، و إلى الغفلة عن تقدير الموت القريب وهو مشاهدة موت غيره ، فأما موت نفسه فلم يألفه ، ولم يتصور أن يألفه فإنه لم يقع . وإن عرفت أن سببه حب الدنيا ، و الجهل ، فعلاجه دفع سببه . أما حب الدنيا فعلاجه إخراجه من القلب ، وهو الداء العضال الذي أعيا الأولين والآخرين ، ولا علاج له إلا بالإيمان باليوم الآخر ، و بما فيه من عظيم العقاب ، و جزيل الثواب ، فإذا حصل اليقين بذلك ارتحل عن قلبه حب الدنيا ، فإن حب الخطير هو الذي يمحو عن القلب حب الحقير . وأما الجهل فيدفع بالفكر الصافي ، والحكمة البالغة وأعظم من هذا وذاك أن يعلم الإنسان أن لو متع من السنين ، ثم انقضى ذلك المتاع ، وجاءه العذاب ، أن ذلك المتاع الفائت لا ينفعه ، و لا يغني عنه شيئا بعد انقضائه وحلول العذاب محله ، وقد أوضح الله جل جلاله هذا المعنى في كتابه العزيز فقال :" أفبعذابنا يستعجلون* أفرايت إن متعناهم سنين * ثم جاءهم ما كانوا يوعدون * ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون" الشعراء 204-207 فقصر العمر لا يمنع من دخول الجنة ، كما أن طول العمر لا يمنع من دخول النار ، وإنما المحك في الأعمال من خير و شر ، و لذا كان الصالحون يقللون من الدنيا ، و يبادرون الموت لمعرفتهم ذلك . و يتولد من طول الأمل خمسة أشياء : الكسل عن الطاعة والتسويف بالتوبة ، والرغبة في الدنيا ، والنسيان للآخرة ، والقسوة في القلب . لأن رقة القلب وصفاءه إنما تقع بتذكير الموت والقبر والثواب والعقاب و أهوال القيامة . قال علي ابن أبي طالب -رضي الله عنه- : إن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى ، وطول الأمل . فأما اتباع الهوى فيصد عن الحق ، وأما طول الأمل فينسى الآخرة ، ألا وإن الدنيا ارتحلت مدبرة ، وارتحلت الآخرة مقبلة ، ولكل واحد منهما بنون ، فكونوا من أبناء الآخرة ، ولا تكونوا من أبناء الدنيا ، فإن اليوم عمل ولا حساب ، و غدا حساب ولا عمل . ولكن الناس يلهثون وراء الدنيا ، ويمنون أنفسهم بالأماني الكاذبة ، ويكبرون وتكبر معهم أمانيهم ، مع أن الإنسان لو عمر عمر نوح ، وأعطي قوة عاد وثمود فلن يأخذ بهما فوق ما قدره الله له ، ولن يمنعاه من الموت ، فكان من تمام العقل البدار إلى الله ولقاءه ، والاستعداد لذلك باغتنام الحياة ، إذ هي وقت البدار ، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- :" اغتنم خمسا قبل خمس ، شبابك قبل هرمك ، و صحتك قبل سقمك ، و غناك قبل فقرك ، وفراغك قبل شغلك ، وحياتك قبل موتك " و لانعني بهذا أن يتبرهن الناس أو أن يجلسوا في البيوت ، و يدعوا الحياة ، فذلك غير مراد ، وإنما السير في الحياة ، والقيام بواجب والصحابة -جيل القدوة -جمعوا بين الاثنين ، العمل للدنيا والآخرة - في منظومة غير متنافرة فصحت لهم الدنيا وكانوا فيها سادة ، وصحت لهم الآخرة ، وأثنى عليهم رب العباد سبحانه ، ورسوله صلى الله عليه وسلم - وقال سلمان الفارسي -رضي الله عنه - : " ثلاث أعجبتني حتى أضحكتني : مؤمل الدنيا والموت يطلبه ، وغافل وليس يغفل عنه ، وضاحك ملء فيه ولا يدري أساخط رب العالمين عليه أم راضي" و كان الحسن يقول في موعظته : المبادرة المبادرة ، فإنما هي الأنفاس لو حبست انقطعت عنكم أعمالكم التي تترقبون بها إلى الله ، رحم الله امرأ نظر إلى نفسه ، وبكى على عدد ذنوبه الحياة لا تتوقف لموت أحد مهما بلغ في عز السلطان والجاه ، وما هي إلا أيام ويطيه النسيان كما طواه التراب قبل ، وذلك في الأقربين فكيف في الأبعدين ، فاغتنم حياتك أيها المسكين . قال ابن القيم رحمه الله : "ما مضى من الدنيا أحلام ، وما بقي منها أماني ، والوقت ضائع بينهما " طوبى لعبد بادر ساعته ، واستعد للقاء ربه ، وكان لسان حاله " وعجلت إليك رب لترضى " طه84 اللهم إنا نعوذ بك من الضلالة بعد الهدى ، ومن المعصية بعد الطاعة اللهم اهدنا ، واغفر لنا وتب علينا انك انت السميع العليم |
|
02-13-2012, 04:02 PM | #3 | ||
|
رد: كلنا ما بين طول الأمل وبغتة الأجل
|
||
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|