05-16-2010, 11:25 PM | #21 |
|
رد: قريباً على صفحة هذا المنتدى...
الحلقة الرابعة: مؤامرة شيعية أموية وراء مقتل الحسين سبط رسول الله. أمور كثيرة في قصة مقتل الحسين تثير التساؤلات، من ذلك خروجه العلني من مكة إلى العراق، رجل عدوه يملك الشام ومصر والعراق وجزيرة العرب، لا يتورع عن سفك الدم الحرام، يسافر إلى أحد الأقطار التابعة لسلطانه جهاراً نهاراً، غير متخف ولا مستتر، ليثير عليه ذلك القطر، ويستولي عليه، ويستقل بملكه؟!. هذا الأمر مخالف لكل منطق، ولا يقول به عاقل، ما الذي حمل الحسين على هذا السفر العلني للغاية المعلنة، هل هذا هو ما كان حقاً؟، أم أن قصة خروجه إلى العراق لحقها الكثير من الوضع والإضافة وتأولات الرواة، مهما تكن الراوية لحقت بقصة خروج الحسين بن علي إلى العراق، فإن خروجه بأهله وأطفال بني هاشم ينافي السرية، وهذه العلنية التي توجه بها إلى العراق، لا تناسب غايته، فما الذي حمله على ذلك. الذي أرجحه أنه اتفق مع مسلم المتخفي في الكوفة، أن ينتظر مسلم حتى يكون الحسين قاب قوسين من الكوفة، فيثب بمن بايعه من الشيعة، على والي الكوفة ليزيد النعمان بن بشير، ثم ينتزع الكوفة منه، فيدخلها الحسين آمناً، ولعل الحسين ظن أن العيون ستبقى مسلطة عليه، فيساعد ذلك مسلماً على إنجاز مهمته دون انكشاف أمره، ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، لقد كان أمر مسلم مكشوفاً منذ وطئت قدمه أرض الكوفة، فكانت تحركاته مرصودة، من عبيد الله بن زياد، الذي ولي أمر الكوفة بعد أن جمع له يزيد ولايتي البصرة والكوفة، وقد علمنا كيف قبض عبيدالله على مسلم وقتله قبل أن يتمكن من عمل شيء، أما الحسين بن علي رضي الله عنه، فظل سائراً في طريقه, وهو يظن الأمور تسير كما دبر هو ومسلم، ثم أن عبيدالله أخذ ما بين واقصة إلى طريق الشام إلى طريق البصرة, يمنع منها الداخل والخارج, فلم يعلم الحسين ما انتهى إليه أمر مسلم، هذا ما يمليه المنطق ويصدقه العقل، أما الرواية التي تقول إن مسلماً حمَّل عمر بن سعد بن أبي وقاص أمانة يبلغها حسيناً، يخبره فيها بمقتله، ويوصيه بالعودة إلى الحجاز، وأن عمر بن سعد قد بلغ الحسين وصية مسلم, فما كان عمر يجرؤ على أمر لم يرده عبيد الله، وعمر بن سعد ممن كتب إلى يزيد بأمر مسلم، حين كان متخفياً، وطلب من يزيد عزل واليه على الكوفة النعمان بن بشير، لضعفه أو تضاعفه عن مسلم، وسنأتي على هذه الرواية المختلقة، أقصد الرسول الذي أرسله عمر بن سعد لحسين يطلب منه العودة للحجاز، ويخبره بمقتل مسلم، والذي أود التنويه عنه، أن الروايات تذكر أن عبيد الله بن زياد، أمر بقتل هانئ بن عروة المرادي في سوق الغنم، وليس في قصره كما أسلفت, وأنه "عبيدالله بن زياد" شتم الحسين والإمام علي، وقال عنه الكذاب ابن الكذاب، سبحان الله، ما أقبح الدنيا وأهونها، عبيد الله بن زياد بن سمية، يشتم الحسين بن علي ويسب علي بن أبي طالب، يسب من أبرزهم الرسول ليباهل بهم نصارى نجران، وقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي، يقال إن رجلاً أعمى من الأزد- غامدي-، فقد عينيه حين كان يحارب مع الإمام علي رضوان الله عليه، واحدة في معركة الجمل والأخرى في صفين، كان حاضراً مجلس عبيدالله, فلما سمعه يشتم علياً وحسينا، لم يحتمل ورد عليه، وقال الكذاب أنت وأبوك، فأمر به فقتل، لقد كان الحجاج أفضل من عبيد الله، وللمختار مواقف تدل على مروءة وشهامة وشجاعة، أما عبيد الله فلم أجد له موقفاً شريفاً قط، وأنا هنا لا أنظر لقرابة علي والحسين من رسول الله، فقد كان أبو لهب عم رسول الله، ولكني أنظر لسيرة الإمام علي وجهاده في الإسلام، ثم يشتمه ابن مرجانة، ويشتم سيد شباب أهل الجنة، لو كانت الدنيا تساوي عند الله جناح بعوضة، ما سقي منها كافراً شربة ماء. لما اقترب الحسين رضي الله عنه من كربلاء، جرد عبيد الله جيشاً من ألف رجل وأمر عليهم الحر بن يزيد الرياحي النهشلي، من حنظلة من تميم، وأمره أن يحول بين الحسين والتوجه إلى أي طريق، وأن يحصره في موطن لا ماء فيه ولا شجر، وعدد من كان مع الحسين، من رجال وصبية وغلمان، ثمانية وسبعون، ثمانية عشر من أبنائه وأبناء إخوته، وستون ممن نصره حين رأى أنه وقع عليه ظلم، وأن الواجب أن يواسى بالنفس، ويلاحظ هنا الفارق العددي بين الفئتين ولم يزل الحر بن يزيد يحول بين الحسين وبين الخروج من ذلك الموقع الذي حوصر فيه، فإذا سار سايره وحال بينه وبين العودة إلى المدينة، أو التوجه إلى الشام، هكذا يقال, وأرجح أنه كان يحول بينه وبين التوجه إلى أي مكان, غير ذلك المكان الذي قرروا قتله فيه, كل ذلك وهما يترادان الكلام, والحر يقول لم أؤمر فيك بشيء، إلا أن توجه إلى الكوفة، فيرى فيك عبيد الله رأيه، والحسين يقول له، هيهات الموت دون ذلك، ومعنى أن ينزل الحسين على حكم عبيد الله، أنه متى سلم نفسه إلى عبيد الله، أن يؤمر به فيكتف أو يقيد، ثم يقتل صبراً، وقرر الحسين أن لا يرضى بالدنية، بل يقاتل حتى يقتل كريماً، وقد تيقن أنه مقتول، فما حول ثمانية وسبعين رجلاً وصبياً وغلاماً، بألف محارب أشداء، لذلك سأل رجلين من أسد صحباه، يواسيانه بنفسيهما، رغبة فيما عند الله، أما من ملجأ نجعله في ظهورنا، ونستقبل القوم من وجه واحد؟ فقالا له هذا ذو حُسُم على يسارك، فعطف عن الطريق، وتسابق مع الحر، وسبق الحسين، فنزل به وأمر بأبنيته فضربت، جاعلاً قصباء ذي حُسُم في ظهره، وخيم جيش الحر قبالته، ينتظر أمر عبيد الله، ثم إن عبيد الله أردف الحر بجيش من أربعة آلاف محارب، بقيادة عمر بن سعد بن أبي وقاص، وجعل قيادة الجيش إلى عمر, كلهم خرجوا طلباً للدنيا، فعمر ابن سعد يقال إن عبيد الله عهد إليه بولاية الري قبل وصول الحسين، ثم إنه قال له تحول إلى الحسين نفرغ منه ثم تذهب إلى عملك، فطلب منه أن يعفيه من مهمة قتال الحسين، فقال له عبيد الله نعم على أن ترد لنا عهدنا، أي تتنازل عن ولاية الري، فاستمهله إلى الغد، ثم جاءه موافقاً على حرب حسين، وجاء عمر بن سعد ابنُ أخته حمزة بن المغيرة بن شعبة فقال له : أنشدك الله يا خال أن لا تسير إلى الحسين فتأثم وتقطع رحمك، فو الله لإن تخرج من دنياك ومالك وسلطان الأرض كلها، لو كان لك، خير لك من أن تلقى الله بدم حسين، ولكن حمزة كان كمن ينفخ في رماد، وكان نزول الحسين بذي حُسُم، في اليوم الثاني من المحرم، سنة 61هـ، ونزول عمر بن سعد في اليوم الثالث، ولابد لي هنا من أن أشير إلى روايتين لا يقتنع بهما العقل تمام الاقتناع، الأولى أن الحسين علم بمقتل مسلم قبل بلوغه كربلاء بمراحل، وأنه هم بالعودة، ولكن أخوة مسلم ضجوا وقالوا: لا نرجع حتى نأخذ بثأرنا، أو نلقى ما لقي أخونا، فنزل الحسين عند رغبتهم، هذا القول لا يطمئن إليه القلب، رجل يسير بأهله وبناته وأطفاله، ولا عدد ولا عدة له، إلى عدو يملك الجيوش الجرارة، ليأخذ بثأرٍ أمر غير مقبول عقلاً، إذا كان الحسين قد علم بمقتل مسلم، فبعد أن أحاطت به جيوش عبيد الله، وحالت بينه وبين العودة إلى المدينة، والقصة الأخرى قولهم إن يزيد بن معاوية حزن على مقتل الحسين وقال: لو كان بينه وبين ابن مرجانة قرابة ما قتله، وهذا القول لو صح فهو من ألاعيب السياسة، فكم قتل الحكام من مخالف، ثم أشاعوا بعد قتله بساعات فقالوا: الآن جاء الأمر بالعفو عنه، وقد قال الخليفة أو الإمام: مثل هذا لا يقتل لأنه ولأنه، وأقول ما كان عبيد الله يجرأ على قتل حسين إلا بأمر مشدد من يزيد، ولو أن يزيداً قال له لا تقتله ما قتله، عبيد الله عبد دنياه، يقدم رضى أميره على رضى الله، ولو كان كالنعمان بن بشير ما قتل حسيناً، حتى وإن أمره يزيد. لما نزل عمر بن سعد ذي حُسُم، قال لعزرة بن قيس الأحمسي: اذهب إلى الحسين فاسأله ما الذي جاء به، فاعتذر عَزْرة لأنه ممن كتب للحسين بالقدوم، استحيا من أن يراه في صف محاربيه، ثم لم يزل عمر يعرض على من حوله الذهاب إلى حسين وسؤاله, فيعتذرون لأنهم كاتبوا حسيناً، وهذا يدل على غدر الشيعة بالحسين بن علي، لأمر الله يعلمه، وإن كنت أرجح أن السبائية تقف وراء هذه المؤامرة، إكمالاً لدورهم في تمزيق أمة محمد، إلى سنة وشيعة, خدمة للكنيسة الكاثوليكية واليهود، ووجود من كاتبوا حسيناً في جيش عمر بن سعد دليل على زيف التشيع, فلما اعتذر من كاتب حسيناً عن إبلاغ رسالة عمر بن سعد، دعا عمر قرة بن قيس الحنظلي وقال له: إلق حسيناً فسله ما جاء به وماذا يريد، فأتاه قرة، فلما رآه الحسين قال لمن معه أتعرفون هذا الرجل؟، فقال له حبيب بن مظاهر : نعم هذا رجل تميمي من حنظلة، وكنت أعرفه بحسن الرأي، فجاء حتى سلم على الحسين وأبلغه الرسالة، فقال له الحسين، كتب إليَّ أهل مصركم هذا أن أقدم، فأما إذا كرهوني فإني أنصرف عنهم، فرجع قرة إلى عمر بن سعد بالجواب، فكتب بذلك إلى عبيدالله، فلما قرئ الكتاب على عبيدالله تمثل قائلاً: ألآن إذ علقت مخالبنا به**********يرجو النجاة ولات حين مناص عجباً للدنيا ولابن ابن سمية يتمثل بهذا البيت وغيره يحارب عنه، ثم كتب إلى عمر: أما بعد فحل بين الحسين وأصحابه وبين الماء ولا يذوقوا منه قطرة كما صُنع بالتقي الزكي المظلوم أمير المؤمنين عثمان، حتى عبيد الله بن زياد ابن أبيه، يتخذ قميص عثمان ذريعة لقتل الحسين وأطفاله، وليس من عثمان ولا عثمان بن عفان منه في شيء، وما ذنب الحسين في دم عثمان، بل ما ذنب أطفاله ومنهم من قُتل عثمان وهو لا يحسن المشي، ومنهم من لم يكن وُلِد بعد!!. كيف دارت المعركة غير المتكافئة؟: حين بلغ عمر بن سعد كتاب عبيد الله، أرسل خمسمائة مقاتل يحولون بين الحسين والماء، ثم إن حسيناً خطب فيمن معه قائلاً: إنه قد نزل من الأمر ما قد ترون، وإن الدنيا قد تغيرت وتنكرت وأدبر معروفها، واستمرت فلم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء، وخسيس عيش كالمرعى الوبيل، ألا ترون أن الحق لا يعمل به، وأن الباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله محقاً، فإني لا أرى الموت إلا شهادة، ولا الحياة مع الظالمين إلا بَرَما، فقام زهير بن القين البجلي وكان ممن صحب الحسين نصرة فقال: قد سمعنا هداك الله يا ابن رسول الله مقالتك، والله لو كانت الدنيا لنا باقية، وكنا فيها مخلدين، إلا أن فراقها في نصرك ومواساتك لأثرنا الخروج معك على الإقامة فيها. فدعا له الحسين. وكان الحسين حين استبطأ خبر مسلم قد أرسل قيس بن مسهر الصيداوي، فأمسك به شرط عبيد الله الذين كانوا يملؤون الطرقات والفجاج، وساقوه إليه، فأمر عبيدالله قيس بن مسهر أن يلعن الحسين ويلعن أباه علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، فصلى عليهما ولعن عبيد الله وأباه، فأمر به أن يقذف من طمار القصر، حكم ولا حكم الجاهلية، صحيح أن الجاه والسلطان لا الفقر والعدم، يكشفان زيف العرق والنجار، كما تكشف النار زيف المعادن, ولقد كشف السلطان من عبيد الله، عن معدن من خبث الحديد، وعلة نفسية مرضية، ناشئة عن مركب نقص، تأصل عن شعور بمغمز النسب. هادي بن علي بن أحمد أبو عامرية. |
|
05-17-2010, 10:47 AM | #22 |
|
رد: قريباً على صفحة هذا المنتدى...
اشكرك على هذا الطرح الجميل والمفصل لحقيقة
كلنا يرى ويلاحظ ما يدور ممن يدعون التشيع جزاك الله خيرا |
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يا شداد بن أوس إذا رأيت الناس قد اكتنزوا الذهب والفضة فاكنز هؤلاء الكلمات: اللهم إني أسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد وأسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك وأسألك شكر نعمتك وحسن عبادتك وأسألك قلبا سليما ولسانا صادقا وأسألك من خير ما تعلم وأعوذ بك من شر ما تعلم وأستغفرك لما تعلم إنك أنت علام الغيوب) حديث صحيح. |
05-18-2010, 10:43 PM | #23 | ||
|
رد: قريباً على صفحة هذا المنتدى...
أشكرك, وأقدر لك تشجيعك, وإذا كان مقالي حسناً فمن بعض ما لديكم.... تقبل تحياتي.. هادي بن علي بن أحمد أبوعامرية.. |
||
|
05-26-2010, 11:38 PM | #24 |
|
رد: قريباً على صفحة هذا المنتدى...
الحلقة الخامسة: مؤامرة شيعية أموية وراء مقتل الحسين سبط رسول الله بعض أنصار حسين نصحوه أن يحارب جيش الحر بن يزيد، وقالوا له إن لم نقاتل هؤلاء، فسوف تأتينا أعداد لا قبل لنا بها، ولكن حسيناً كان يقول لا أريد أن أبدأهم بقتال، لا شك أنه كان يرقب فرجاً، أو أن يثوبوا إلى رشدهم, فما بين غمضة عين وانتباهتها، يغير الله من حال إلى حال، ولكن بعد وصول جيش عمر بن سعد وورود كتب عبيد الله، وصرخات الرغام الجفاة من كندة ومراد وصُداء وأسد، بالحرب وعدم تلبية مطالب الحسين، مثال شمر بن ذي الجوشن بن شرحبيل "من الضباب بن كلاب" من هوازن، ومسروق بن وائل الحضرمي، وعمرو بن صبيح الصُّدائي، وهانئ بن ثبيت السكوني "من كنده"، وغيرهم وغيرهم، ممن خرج يرجو بسفك دم ابن بنت رسول الله، نوال عبيد الله بن زياد بن أبيه، يقول مسروق بن وائل الحضرمي: كنت في أوائل الخيل ممن سار إلى الحسين، فقلت أكون في أوائلها لعلي أصيب رأس الحسين، فأصيب به منزلة عند عبيد الله، أوباش عبدة الدرهم والدينار، خمسة آلاف ضد سبعين شخصاً أكثرهم صبية صغار!!!, قتل الحسين جريمة بني أمية التي لا يمحوها الدهر. لم يبتكر الإنسان مبتكراً أعظم من الدرهم والدينار، نظم حياة وشؤون المجتمعات البشرية، ولكن عشقه الإنسان وأحبه، حتى صار له عبداً، معدن من حجر، أفرز معدن البشر، بئس المعدن معدن عبيد الله وجيشه، عبدة الدرهم والدينار، وقبح الله فعل بني أمية بقتل الحسين، والله لا يقر قتل الحسين مسلم حسن الإسلام، وأهل السنّة هم من أنكر على بني أمية قتل الحسين ورآه مخالفاً للإسلام, أما الآخرون فإنكارهم يدخل ضمن التبييت السبائي. لقد ظل الحسين بن علي يحاول إقناع عمر بن سعد أن يدعه يعود من حيث أتى، وإذا كان بنو أمية يخافون عودته إلى الحجاز، فليوجهوه إلى أي ثغر من ثغور المسلمين يكون فيه هو وصبيته وإخوانه ونسائه كأهل ذلك الثغر، لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، وكان كلما جاء الحسين برأي جديد فيه العافية وعدم سفك الدماء، كتب به عمر إلى عبيد الله، فيأتيه الرد جافياً رافضاً، يلمس منه المسلم أن قتل الحسين كان غاية!!، ولا شيء غير ذلك. فقام فيهم الحسين فخطبهم خطاباً مطولاً، نجتزئ منه: أما بعد فانسبوني فانظروا من أنا، ثم ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها، فانظروا هل يحل لكم قتلي، وانتهاك حرمتي، ألست ابن بنت نبيكم صلى الله عليه وسلم وابن وصيه أول المؤمنين بالله والمصدق لنبيه، أو لم يبلغكم قول مستفيض فيكم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي ولأخي هذان سيدا شباب أهل الجنة؟، أليس في هذا حاجز لكم عن سفك دمي، أخبروني أتطلبوني بقتيل منكم قتلته، أو مال لكم استهلكته، أو بقصاص من جراحة، ثم نادى يا شبث بن ربعي ويا حجار بن أبجر، ويا قيس بن الأشعث ويا يزيد بن الحارث ألم تكتبوا إلي أن قد أينعت الثمار واخضر الجناب، وإنما تقدم على جندلك مجندة فأقبل، فردوا قائلين لم نفعل، فقال: بل فعلتم، ثم أمر بخرج فكب على وجه، ونثر ما فيه من الرسائل، وقال: إمَّا إذ كرهتموني فدعوني انصرف إلى مأمني من الأرض، فقال له قيس بن الأشعث، أولا تنزل على حكم بني عمك فإنهم لن يروك إلا ما تحب، فقال له الحسين: أتريد أن يطلبك بنو هاشم بأكثر من دم مسلم بن عقيل؟ ، لا والله لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل، ولا أقر إقرار العبيد، عباد الله إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب، وبعد أن أنهى خطبته، أناخ راحلته، وأمر عقبة بن سمعان فعقلها، وعاد إلى خيمته, وعادوا إلى حصاره. حتى كان اليوم التاسع من محرم سنة 61هـ، إذ جاء لعمر بن سعد خطاب من عبيد الله بن زياد، يقول فيه، أما بعد فإني لم أبعثك إلى الحسين لتكف عنه، ولا لتطاوله، ولا لتمنيه السلامة والبقاء، ولا لتقعد له عندي شافعاً، أنظر فإن نزل حسين وأصحابه على الحكم واستسلموا، فابعث بهم إلي سلماً، وإن أبوا فازحف إليهم حتى تقتلهم وتمثل بهم، فإنهم لذلك مستحقون، فإن قُتل الحسين فأوط الخيل صدره وظهره فإنه عاق مشاق قاطع ظلوم. كل ما جاء في الخطاب الآنف ذكره مخالف للإسلام، فسفك دم المسلم دون نفس أو فساد في الأرض حرام، ونقض حجار الكعبة حجراً أهون عند الله من سفك دم امرئ مسلم!!, ومن قتل نفساً واحدة دون وجه حق فكأنما قتل الناس جميعاً، حتى وإن كان المقتول من الرعاع والطغام، فالنفس البشرية واحدة!, كما أن المثلة أمر منهي عنه في الإسلام، لقد قيَّح مغمز النسب صدر عبيد الله بن زياد، وأثبت بقوله هذا بغضه للإسلام أو جهله به، يدعو للتمثيل بجثث الحسين ومن معه، وقد أنكر أبو بكر قطع رأس محارب عدو، ورأى أنه مثلة، والمبدأ الإسلامي، إذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، فلما قرأ عمر بن سعد كتاب عبيد الله، أمر جنوده بالزحف، فجاءه شمر بن ذي الجوشن وعبد الله بن أبي محل، وكانت عمته أم البنين ابنة حزام عند علي بن أبي طالب – كرم الله وجهه-، فولدت له العباس وعبد الله وجعفراً وعثمان، فقال عبد الله بن أبي المحل "من عامر بن كلاب بن ربيعة بن عامر" لعبيد الله: أصلح الله الأمير إن بني اختنا مع الحسين فإن رأيت أن تكتب لهم أماناً فعلت، قال: نعم ونعمة، فأمر كاتبه فكتب لهم أماناً فبعث به عبد الله بن أبي المحل مع مولى له اسمه كزمان، فلما قدم عليهم دعاهم، فقال: هذا أمان بعث به خالكم، فقال له الفتية: أقرئ خالنا السلام وقل له أن لا حاجة لنا في أمانكم، أمان الله خير من أمان ابن سمية، وقبل أن يزحف عمر بن سعد على الحسين ومن معه، تقدم شمر بن ذي الجوشن إلى أصحاب الحسين فقال: أين بنو اختنا؟ فخرج له العباس وجعفر وعثمان بنو علي بن أبي طالب، فقالوا له مالك وما تريد؟ قال: أنتم يا بني أختي آمنون، فرد عليه الفتية لعنك الله ولعن أمانك أتؤمننا وابن رسول الله لا أمان له!!!، ثم إن عمر بن سعد نادى يا خيل الله اركبي وابشري، وركب في الناس ثم زحف نحوهم بعد صلاة العصر، يزحف بخمسة آلاف محارب, ويبشرهم بالنصر على سبعين, ما بين طفل وغلام!, وكان حسين محتبياً بحبائل سيفه، فخفق رأسه فرأى رسول الله يقول له إنك تروح إلينا، وانتبه الحسين فإذا بأخيه العباس بن علي يقول له يا أخي أتاك القوم، فنهض حسين ثم قال: يا عباس اركب بنفسي أنت حتى تلقاهم فتقول لهم ما لكم وما بدالكم، وتسألهم عما جاء بهم، فأتاهم العباس وسألهم فقالوا له: جاء أمر الأمير، إما أن تنزلوا على حكمه أو ننازلكم، فقال لهم: انتظروا حتى آتي أبا عبد الله ، وارجع لكم بالجواب، فركض إلى الحسين فقال له الحسين: قل لهم أن ينصرفوا العشية حتى ينظر في هذا الأمر، فإنه أمر لم يحر بينكم وبينه فيه منطق، فإذا أصبحنا التقينا إن شاء الله, فإما رضيناه فأتينا بالأمر الذي تسألونه، أو كرهنا فرددناه، وكان مراد الحسين أن يتهجدوا لله تلك الليلة، فأمهلوهم إلى الغد، فلما جن الليل، جمع حسين أصحابه فحمد الله وأثنى عليه أحسن الثناء، وقال: أما بعد فإني لا أعلم أصحاباً أولى ولا خيراً من أصحابي، ولا أهل بيت أبر ولا أوصل من أهل بيتي، فجزاكم الله عني جميعاً خيراً، ألا وإني أظن يومنا من هؤلاء الأعداء غداً، ألا وإني قد رأيت لكم فانطلقوا جميعاً في حل، ليس عليكم مني ذمام، هذا ليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً، ليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي ثم تفرقوا في سوادكم ومدائنكم ، حتى يفرج الله, القوم إنما يطلبوني، ولو قد أصابوني لهوا عن طلب غيري، فقال له أخوته وأبناؤه وبنو أخيه وأبناء عبد الله بن جعفر، لن نفعل لنبقى بعدك، لا أرانا الله ذلك أبداً، وقال الحسين: يا بني عقيل حسبكم من القتل بمسلم، اذهبوا قد أذنت لكم، قالوا: لا والله لا نفعل ولكن نفديك بأنفسنا، ونقاتل معك حتى نرد موردك، فقبح الله العيش بعدك، ثم قام إليه مسلم بن عوسجة الأسدي فقال: أنحن نخلي عنك ولما نعذر إلى الله في أداء حقك أما والله حتى أكسر في صدورهم رمحي، واضربهم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي، ولا أفارقك حتى أموت معك، وكان رد من معه كرد مسلم بن عوسجة فدعا لهم الحسين فانصرفوا، وأخذ يردد: يا دهر أفٍ لك من خليـلٍ******كم لك بالإشراق والأصيل وإنما الأمر إلى الجليـل******وكل حي سالك السبيــلمن صاحبٍ أو طالبٍ قتيل******والدهر لا يقنع بالبديــل وسمعته أخته زينب فصاحت، واثكلاه. ليت الموت أعد مني الحياة. يا خليفة الماضي. وثمال الباقي. بأبي أنت وأمي يا أبا عبد الله. استقتلت نفسي فداك، فأخذ يهدئ روعها ويقول لا يذهبن حلمك الشيطان يا أخيه, لو ترك القطا ليلاً لنام، ثم بات ومن معه يصلون، ولا أدري كيف بات عمر بن سعد وشمر بن ذي الجوشن، فلما كان الصباح وتصاف القوم، نظر الحر بن يزيد الرياحي إلى عمر بن سعد وقال له: أصلحك الله مقاتل أنت هذا الرجل؟ قال: إي والله قتالاً أيسره أن تسقط الرؤوس وتطيح الأيدي، قال: أما لكم في واحدة من الخصال التي عرض عليكم رضى، قال عمر أما والله لو كان الأمر إلي لفعلت، ولكن أميرك قد أبى، فأقبل الحر حتى كان من الناس موقفاً، ومعه رجل من قومه يقال له قرة بن قيس، فقال: يا قرة هل سقيت فرسك اليوم، ففطن قرة إلى أنه أراده أن يتنحى عنه، فقال لا وإني ذاهب لأسقيه الآن، فلما تنحى قرة عن المكان أخذ الحر يدنو من الحسين قليلاً قليلاً، فقال رجل من قومه: يقال له المهاجر بن أوس، ما تريد يا ابن يزيد هل تريد أن تحمل، فسكت ولم يرد عليه، وأخذه مثل العرواء " رعدة" ، فقال له المهاجر: يا ابن يزيد والله إن أمرك لمريب، والله ما رأيت منك في موقف قط مثل شيء أراه الآن، ولو قيل لي من أشجع أهل الكوفة رجلاً ما عدوتك فما هذا الذي أرى منك؟!!! هادي بن علي بن أحمد أبوعامرية..
|
|
05-26-2010, 11:50 PM | #25 |
|
رد: قريباً على صفحة هذا المنتدى...
استاذى الكريم سلمت يداك
على ما تسطره وتنير به منتدانا لنستفيد منه |
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يا شداد بن أوس إذا رأيت الناس قد اكتنزوا الذهب والفضة فاكنز هؤلاء الكلمات: اللهم إني أسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد وأسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك وأسألك شكر نعمتك وحسن عبادتك وأسألك قلبا سليما ولسانا صادقا وأسألك من خير ما تعلم وأعوذ بك من شر ما تعلم وأستغفرك لما تعلم إنك أنت علام الغيوب) حديث صحيح. |
05-27-2010, 12:07 AM | #26 | ||
|
رد: قريباً على صفحة هذا المنتدى...
أشكرك وأتمنى أن أوفق فيما أقدم لكم.... خالص التحية.. هادي بن علي بن أحمد أبوعامرية. |
||
|
05-28-2010, 02:41 AM | #27 |
|
رد: قريباً على صفحة هذا المنتدى...
أستميح القراء الأعزاء عذراً في تأخير إكمال موضوع "المختار بن أبي عبيد... " بعض الوقت, لعدم مناسبة الصحة, وحاجتي إلى الراحة بعض الوقت, وأعدكم بإكماله إن شاء الله متى ما أصبحت صحتي تحتمل جهد الكتابة والإطلاع.. هادي بن علي بن أحمد أبوعامرية.. |
|
06-12-2010, 11:16 PM | #28 |
|
رد: قريباً على صفحة هذا المنتدى...
إلى إدارة وأعضاء وقراء منتديات الريث الأعزاء... الحمدلله أنني عدت للكتابة في هذا المنتدى, لإكمال بحثي المختار بن أبي عبيد الثقفي, بعد الوعكة التي ألمت بي... والله جل جلاله جعل لنا الابتلاء تكفيراً للذنوب لمن صبر, فقد قال رسول الله صلى الله عليخ وسلم: (إذا أحب الله عبداً ابتلاه, حتى يبلغ منه مبالغ الذر, فإن بقي من ذنوبه بعد ذلك شيء, شدد عليه سكرات الموت), وأنا أسأل الله أن يصبرني على بلائه, فالمؤمن لا يصبر بجهده بل بعون الله وتوفيقه, وإني لأشكر كل من دعا لي في مرضي بالشفاء, سائلاً الله أن يقيكم جميعاً شر المرض, ولا أراكم مكروهاً في عزيز... المختار بن أبي عبيد ... فترة مضطربة من تاريخ أمتنا مؤامرة شيعية أموية وراء مقتل الحسين قلت في المقال السابق إن الحسين رضي الله عنه نزل ذي حُسُم ونصب خيامه, بعد أن جعجع به وحاصره الحر بن يزيد الرياحي، واضطره إلى نزول ذلك الموضع اضطراراً, وذلك في اليوم الثاني من شهر المحرم سنة 61هـ، ونزل جيش عمر بن سعد في اليوم الثالث الذي يليه، وظلت المفاوضات بين عمر بن سعد والحسين ستة أيام، قبل أن يزحف عمر بجيشه الجرار على الحسين وصبيته ونسائه، أي أن الأمر لو لم يكن مؤامرة، ولو أنَّ الدعوة التي تلقاها الحسين كانت حقيقية من أُناس بايعوه حقيقة، ولو كانوا من طغام الناس ورعاعهم، لهب من الثمانين ألفاً الذين أعطوه البيعة، ولو مائة أو مائتين بقرارات شخصية فردية من أنفسهم لنجدة الحسين، فبقاء الحسين سبعة أيام محاصراً على مقربة من أصحاب البيعة، كفيل بوصول خبره إلى كل بيت، والذي أميل إليه، أن الأوراق المرسلة إلى الحسين من شبث بن ربعي وحجار بن أبجر وقيس بن الأشعث ويزيد بن الحارث مكيدة منهم بأمر من عبيد الله بن زياد، وأن عبيد الله كان يقف وراء كل ذلك، وسوف أدع قبل نهاية هذا المقال أبرز أركان المؤامرة يقر بلسانه بأمر تلك المكيدة، وأحسب أن المكيدة والتبييت والتضليل انسحب على مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة المرادي، وأن أناساً كانوا يترددون عليهما ومعهم أوراق تحمل أسماءً وتواقيع مزورة, يقف وراء تزويرها عبيدالله بن زياد, لأن عبيد الله كان عالماً بأمرهما، ومن المؤكد أنه كان يرسل لهما من يظهر البيعة للحسين، لن أستفيض في هذا الأمر الآن، لعلمي أن أعداء أمتنا من اليهود والنصارى والسبائية أخافوا مفكرينا وأدبائنا من قول كلمة مؤامرة، ليسهل لهم التآمر كما يشاءون، في مأمن من افتضاح أمرهم، فكلمة مؤامرة أصبحت من المحرمات الفكرية, وَيْحَكُمْ مفكرينا ما هذا الجبن؟!!، هل تغيرت طبائع البشر؟!, التآمر طبيعة بشرية!. ولست لهذا السبب وحده لن أطيل الكلام عن المؤامرة، بل لأني تركت الحسين والجيوش تهم بالزحف عليه، والحر بن يزيد يتقدم ببطئ نحوه، والقارئ يريد أن يعرف أمر الحر وأمر الزحف، فحين كان الحر يتقدم نحو الحسين، والمهاجر بن أوس يناديه ويستغرب رعدته، ويقول ما الذي أرى منك اليوم، وأنا أَعُدُّكَ من أشجع الناس، ذلك أن للحرب خوفاً يسبقها يرعد المحارب، فمن غلبه ذلك الخوف لم يثبت، ومن تغلب على الخوف رسخت في الحرب قدمه، ويتغلب عليه المحارب بالعض على الأضراس، ولما ألح المهاجر بن أوس على الحر، قال له الحر: إني والله أخير نفسي بين الجنة والنار، ووالله لا أختار على الجنة شيئاً، لو قطعت وحرقت، ثم ضرب وجه فرسه، حتى أتى حسيناً فقال له: جعلني الله فداك يا ابن رسول الله، أنا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع، وسايرتك في الطريق، وجعجعت بك في هذا المكان، والله الذي لا إله إلا هو، ما ظننت أن القوم يردون عليك ما عرضت عليهم أبداً، ولا يبلغون منك هذه المنزلة، فقلت في نفسي أضيع القوم في بعض أمرهم ولا يرون أني خرجت من طاعتهم، أما هم فسيقبلون من حسين هذه الخصال التي يعرض عليهم، والله لو ظننت أنهم لا يقبلونها منك ما ركبتها منك، وإني قد جئتك تائباً مما كان مني إلى ربي، ومواسياً لك بنفسي حتى أموت بين يديك، أفترى ذلك لي توبة؟ قال: نعم يتوب الله عليك ويغفر لك، ثم سأله ما اسمك؟ قال: أنا الحر بن يزيد، قال له الحسين: أنت الحر كما سمتك أمك، أنت الحر إن شاء الله في الدنيا والآخرة أنزل، فقال الحر: أنا لك فارساً خير مني راجلاً، أقاتلهم على فرسي ساعة، وإلى النزول ما يصير آخر أمري، قال الحسين: فاصنع يرحمك الله ما بدالك، فاستقدم أمام أصحابه ثم قال: أيها القوم ألا تقبلون من حسين خصلة من هذه الخصال التي عرض عليكم فيعافيكم الله من حربه وقتاله، قالوا هذا الأمير عمر بن سعد فكلمه، فتقدم إلى عمر بن سعد فأعاد عليه نفس السؤال: ألا تقبلون من حسين واحدة من الخصال التي عرض عليكم؟، فقال عمر بن سعد: قد حرصت لو وجدت إلى ذلك سبيلاً فعلت، ومراده أن عبيد الله رفض عروض الحسين، وما هو إلا منفذ لأوامره، وحين سمع الحر رد عمر بن سعد، توجه إلى جيش عمر وخاطبهم قائلاً: يا أهل الكوفة لأُمكم الهَبَل والعُبْر إذ دعوتموه حتى إذا أتاكم أسلمتموه وزعمتم أنكم قاتلوا أنفسكم دونه، ثم عدوتم عليه لتقتلوه، أمسكتم بنفسه وأخذتم بظلمه، وأحطتم به من كل جانب، فمنعتموه التوجه في بلاد الله العريضة، حتى يأمن ويأمن أهل بيته، وأصبح في أيديكم كالأسير، لا يملك لنفسه نفعاً ولا يدفع ضراً، وخلأتموه ونساءه وأصيبيته وأصحابه عن ماء الفرات الجاري، الذي يشربه اليهودي والمجوسي والنصراني، وتمرغ فيه خنازير السواد وكلابه، وهاهم قد صرعهم العطش، بئسماً خلفتم محمداً في ذريته!!, لا سقاكم الله يوم الظمأ، إن لم تتوبوا وتنزعوا عمّا أنتم عليه من يومكم هذا في ساعتكم هذه، لقد فضح الحر جيش عمر بن سعد، ولم يجدوا منطقاً يردون به عليه، لذلك هجمت عليه رجالة منهم ترميه بالنبل، فأقبل حتى وقف أمام الحسين، ثم زحف عمر بن سعد نحوهم، ورمى بسهم وقال لأصحابه اشهدوا أني أول من رمى بسهم، وترامى الفريقان، ثم خرج يسار مولى زياد بن أبيه وسالم مولى عبيد الله بن زياد، من جيش عمر بن سعد، وطلبا المبارزة فوثب حبيب بن مظاهر وبرير بن حضير، فقال لهما الحسين أجلسا، فقام عنهما عبد الله بن عمير الكلبي، وهو رجل من كلب سكن الكوفة، فلما سمع عن حسين وخروج جيش عمر بن سعد لحربه، جاء امرأته وأخبرها بعزمه نصرة الحسين، فأصرت أن تخرج معه، حتى أتيا حسيناً، وحين سمع يسار وسالم يطلبان المبارز, قال للحسين: أبا عبد الله إئذن لي لأخرج إليهما، فرأى الحسين رجلاً آدم طويلاً شديد الساعدين بعيد ما بين المنكبين. فقال له: أخرج إن شئت، فخرج إليهما، فسألاه عن نسبه فانتسب لهما، فقالا له لا نعرفك وإنما يخرج إلينا فلان أو فلان أو فلان، فقال مخاطباً يسار مولى زياد بن أبيه: يا ابن الزانية وبك رغبة عن مبارزة أحد من الناس، ولا يخرج لك إلا من هو خير منك، ثم شد عليه بسيفه فضربه حتى برد، فشد عليه سالم مولى عبيد الله بن زياد، فصاح به الناس قد رهقك العبد، فلم يأبه له، حتى غشيه وبدره الضرب، فاتقاها الكلبي بيسراه فأطن أصابعه، فمال عليه الكلبي فضربه حتى برد، وأقبل وهو يرتجز وقد قتل الاثنين: إن تكروني فأنا ابن كلـب******حسبي ببيتي في عُلُيمٍ حسبي إني أمرؤ ذو مرة وعَصْبِ******ولست بالخوار عند النكـب إني زعيـــم لك أم وهب******بالطعن فيهم مقدماً والضرب ضرب غلام مؤمن بالرب
فأخذت أم وهب امرأته عموداً وأقبلت نحوه تقول: فداك أبي وأمي قاتل دون ذرية محمد، فأقبل إليها يردها نحو النساء، فأخذت تجاذبه ثوبه وهي تقول: لن أدعك دون أن أموت معك، فناداها حسين قائلاً: جزيتم من أهل بيت خيراً، رجعي إلى النساء رحمك الله، فإنه ليس على النساء قتال، فانصرفت إليهن، ليت شعية العراق كانوا نساءً، ولكن مثل هذه المرأة، اثنان وثمانون ألفاً، لم يخرج منهم أحد لنصرة الحسين، كيف استطاع هذا الكلبي وزوجته الخروج من الكوفة ونصرة الحسين، لقد غدروا بابن بنت رسول اللهم، هم بنو أمية. ثم هجمت ميمنة جيش عمر بن سعد على الحسين، بقيادة عمرو بن الحجاج فجثا أنصار حسين على الكرب، وأشرعوا الرماح نحوهم، فلم تقدم الخيل، ولا يمكنني أن أسرد كامل أحداث المعركة، وسأكتفي بتقديم صور تبين شجاعة الحسين وأصحابه، وانتفاء المروءة وأخلاق الشجعان عن عمر بن سعد وجيشه وأميره عبيد الله بن زياد، في نقد محايد يعتمد المنطق والعقل دون سواهما، وبدون أي تحامل بل باستقراء الأحداث بإنصاف وحيدة. استمرت المبارزة، وكان جماعة حسين ظاهرين، ما خرج لهم رجل من جيش عمر بن سعد إلا قتلوه، وممن طلب المبارزة الحصين بن تميم طلب مبارزة الحر بن يزيد، فبرز له الحر واختطف روحه في لمحة البرق، وأخذ يجول يقتل ويجرح في جيش عمر بن سعد، وكان نافع بن هلال المرادي يجول ويقول: أنا الجملي أنا على دين علي، فخرج له رجل يقال له مزاحم بن حريث فمال عليه نافع فقتله في ومضة البرق, فصاح عمرو بن الحجاج في جيش عمر بن سعد، وكان على الميمنة، يا حمقى أتدرون من تقاتلون، إنكم تقاتلون فرسان المصر قوماً مستميتين، ألا لا يبرزن لهم أحد فإنهم قليل، والله لو لم ترموهم إلا بالحجارة لقتلتموهم، فسمعه عمر بن سعد فاستحسن رأيه ومنع جيشه من المبارزة، ثم إن عمرو بن الحجاج هجم عليهم من نحو الفرات، فجال فيهم أصحاب الحسين يَقْتُلون ويُقْتَلون، فإذا قتل الواحد من أصحاب الحسين ظهر فيهم الخلل لقلتهم، وإذا قتل الثلاثة من جيش سعد لم يظهر فيهم أي نقص لكثرتهم, وحين عمد جيش عمر بن سعد إلى الرمي والتوقف عن المجالدة والمبارزة والالتحام، عقرت معظم خيول أصحاب حسين، وكانت في حدود أربعين فرساً أو تزيد قليلاً، ولم يزل أصحاب حسين يسقطون بين يديه، وأراد شمر بن ذي الجوشن حرق خيام حسين بما فيها من نساء وصبية، حتى يهاجمهم من الخلف، فعيره بعض أصحابه فأمسك عن حرق الخيام، وهذا الفعل يريك سوء أخلاق جيش الكوفة وجبنهم، ورذالة طباعهم، فالعرب في جاهليتهم لم يكونوا في مثل هذه الرذالة. ومن الصور المأساوية الدالة على خسِّة جيش عبيد الله بن زياد، أن عبد الله بن مسلم بن عقيل، وكان غلاماً حدثاً غير محارب، خرج من الخيام، فانهال عليه جيش عمر بن سعد بالسهام، فكان يتقي السهام بكفه، فرماه رجل من صُداء اسمه عمرو بن صبيح الصُّدائي، فشك كفه بجبهته، ثم راح ينضنض السهم وقد بلغ دماغ الغلام، ليخرجه فيعاود استعماله، وذهب يفخر بذلك، لو كان الحسين يهودياً، أو نصرانياً أو مرتداً عن دين الله، ما جاز أن يقتل صبيته على الوجه الذي أسلفت ولا على أي وجه غيره، فكيف وقد كان الحسين عابداً زاهداً ناسكاً، عالماً بالكتاب والسنّة، عاملاً بهما، لم يخرج على السلطان، وكل ما يقال في هذا الجانب محض افتراء من بني أمية، يسوغون به فعلتهم, جريرة الحسين الوحيدة, عدم مبايعة يزيد بن معاوية، وهذا الذنب لا يوجب حد القتل، وحقيقة الأمر أن بني أمية يكرهون بني هاشم، لأنهم إذا نظروا إليهم تصاغرت في أعينهم أنفسهم، فلا يذكر بنو هاشم, إلا ويذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحمزة والعباس وعلي بن أبي طالب، وجعفر الطيار بن أبي طالب، وسيدا شباب أهل الجنة الحسن والحسين، ومن الصور المقززة التي ارتكبها جيش بني أبي سفيان بن أمية ضد صبية الحسين وأطفاله، أن القاسم بن الحسن بن علي وكان يافعاً في ربان الحداثة, خرج وفي يده سيف ينوء بحمله، فمال عليه رجل من الأزد اسمه عمرو بن سعد بن نفيل فضربه على رأسه، فصاح الغلام يا عماه ووقع لوجهه، فشد الحسين على عمرو كأنه الصقر، أو ليث أغضب, رغم الإرهاق والعطش والجراح، فضربه على رأسه، فاتقاها بالساعد فأطنها من المرفق، فصاح عمرو، فأرادت جماعة من جيش الكوفة سحبه وإنقاذه، فجالت عليه الخيل فتوطأته بحوافرها حتى قتلته، يقال وانجلت الغبار عن الحسين واقفاً عند رأس الغلام، والغلام يفحص برجله, فحمله على صدره ورجلاه تخطان، حتى وضعه مع إخوته القتلى الغلمان والصبية، وصور أخرى للمعركة أخزى من الصور الآنفة، من أراد الإطلاع عليها, فليرجع لكتب المؤرخين السنة, ولم يزل أصحاب الحسين وصبيته يتساقطون حتى بقي الحسين وحده، فكيف كان موقفه؟ روى الطبري عن الحجاج بن عبد الله بن عمار البارقي قال: انتهيت إلى الحسين وأنا أريد طعنه ولو شئت لطعنته، وقلت ما أصنع بقتله يقتله غيري، قال: فشد عليه رجالة ممن عن يمينه وشماله، فحمل على من عن يمينه حتى ابذعرُّوا وعلى من عن شماله حتى ابذَعَرُّوا، فو الله ما رأيت مكسوراً قط, قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جأشاً منه، ولا أمضى جناناً، ولا أجرأ مقدماً، ما رأيت قبله ولا بعده مثله، إن كانت الرجالة لتنكشف عن يمينه وشماله، انكشاف المعزى شد عليها الذئب. هكذا كان الحسين في ذلك الموقف، وسوف نستعرض في هذا البحث لاحقاً موقف عبيد الله بن زياد وشمر بن ذي الجوشن ومروان بن الحكم، وقد نزل بهم ما هون أيسر كثيراً مما نزل بالحسين، وشَمِر ينطقه الناس بفتح الشين المعجمة وفتح الميم المشددة، والصواب بفتح الشين وكسر الميم المخففة، فقد كان اسم أحد ملوك اليمن شَمِر مرعش، يقال هو من بنى مدينة شمرقند، ثم عربت فسميت سمرقند، وهذا يعني أن اسم شَمِر كان معروفاً لدى العرب، أو يكون اسم ابن ذي الجوشن شَمْر بفتح الشين وسكون الميم، ورجل شَمْرُ، أي حاذق بصير بالأمور، أما شمر بتضعيف الميم المفتوحة، ففعل ماضي يعني جد في العمل، من تشمير الساق والساعد، والعرب لا تسمى بالأفعال بل بالصفات أحياناً. وأجهد الحسين العطش فركب المسناة يريد الفرات ليشرب، فحالوا بينه وبين الماء، ثم إن أحد بني أبان بن دارم، رمى الحسين بسهم وقد بلغ الماء فأصاب حنكه، فانتزع الحسين السهم، فأخذ الدم يفور من فيه، فيملأ كفيه بالماء, فيمتلآن دماً قبل أن يبلغ فيه!!, فلا يستطيع الشرب، فلما أعيا الحسين وكثرت جراحاته، أسند إلى خيمة وجئ إليه بأحد أطفاله، فرمى أحدهم الطفل بسهم فقتله، سبحان الله!!، لا إسلام ولا رجولة، ثم جاء شمر بن ذي الجوشن في رجالة، وأخذ يحرضهم على قتل حسين، فاحاطوا به إحاطة السوار بالمعصم، فأخذ يقاتلهم بسكين بعد أن فقد سيفه، فتعاضد ثلاثة نفر، عروة بن بطار التغلبي، وزيد بن رُقَاد الجنبي، وسنان بن أنس النخعي، وهو من احتز رأسه، فَضُرب الحسين على رأسه وعاتقه، فلما أخذ ينوء ويكبو بادروا إلى سلبه ثيابه، وراحوا ينازعون نساء بني هاشم ثيابهن، قبحها الله فعلة من بني أمية، وطغام العرب ورعاعهم الذين آزروهم من عبدة الدرهم والدينار. ثم إن عمر بن سعد احتز رؤوس أصحاب الحسين وصبيته ورأس الحسين، فكانت ثمانية وسبعين رأساً, وسيرها إلى عبيد الله بن زياد، الذي سيرها بدوره إلى يزيد بن معاوية الذي فرح بها فرحاً شديداً, وإن كان في تسيير ثمانية وسبعين رأساً, من الكوفة إلى الشام نظر!!, وقد يكون رأس الحسين وحده سير إلى الشام, إلى يزيد بن معاوية. الذي لابد من إيضاحه، وإعادته وتكراره، أن الحسين لم يخرج على بني أمية، بل خرج مغرراً به منهم، وبمكيدة صنعها يزيد بن معاوية وعبيد الله بن زياد، ليستحلوا دماء بني هاشم، فيخلو لهم وجه الخلافة، مخافة أن تميل الأفئدة إلى أبناء فاطمة يوماً، وشاهد هذا القول ما رواه الطبري عن حبيب الجرمي، بفتح الجيم، قال: لما قتل عُبيدالله بن زياد الحسين بن علي وبني أبيه، بعث برؤوسهم إلى يزيد بن معاوية فسر بقتلهم أولاً، وحسنت بذلك منزلة عبيد الله عنده، ثم لم يلبث إلا قليلاً حتى ندم، فكان يقول: لعن الله ابن مرجانة فإنه أخرج حسين واضطره وقتله، فبغضني بقتله إلى المسلمين، فبغضني بقتله البر والفاجر، بما استعظم الناس من قتلي حسيناً، وهذا القول لا يترك مجالاً لتقول السبائية إن حسيناً خرج على الظلم، وينفي قول من يدّعي أن حسيناً خرج مطالباً بالخلافة، لأن علياً وأبناؤه من بعده أحق بها, لم يكن علي رضي الله عنه يرى أنه أحق بالخلافة, إلا لأنه خليفة مبايع, ولقد تنازل الحسن بن علي عن الخلافة لمعاوية, ولم يؤثر عن الحسين مطالبة بالخلافة!!, حتى كانت مكيدة يزيد وعبيدالله له آنفة الذكر, ففرقوا بقتل الحسين كلمة المسلمين, وجعلوا للسبائية مجالاً للإفتراء, حتى نال الخلاف جوهر العقيدة, وإذا كان لأحد أن يغضب لمقتل الحسين, فنحن أهل السنة!!, فنحن على سنة جده ومنهاج أبيه, ونحن في جزيرة العرب, وفي المملكة خاصة, أقرب إليه نسباً ورحمى!!, فإذا قيل قريش فنحن!!, وإذا قيل كنانة فنحن!!, وإذا قيل خندف فنحن!!, وإذا قيل ذرية إسماعيل فنحن!!, أما من يدعون الانتساب إليه في الدول غير العربية المجاورة, من السبائية والمتشيعة وأمثالهم, فأنساب نعرف كيف صنعت؟!!!, وقد يكون تسيير الرؤوس إلى يزيد بن معاوية من زيادات الشيعة, ولكن ندم يزيد على قتله الحسين غير مستبعد, ليس جراء تذكره القربى, فذلك كذب سياسي أريد به تجميل وجه قبحه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث حرمة المدينة التي استحلها يزيد, ولكن ندمه لما رأى من انتفاض أقطار دولته عليه, في العراق والحجاز, فندمه من أجل الملك, لا من أجل الدين ولا القرابة!!. يتبع خروج المختار مطالباً بدم الحسين..... هادي بن علي بن أحمد أبو عامرية.. |
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|